خرافة الدولة اليهودية

TT

لا يخفى على أحد أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة ترغب في ابتلاع فلسطين ككل تدريجيا، أو على الأقل كخطوة أولى ترغب في طرد جميع المسلمين العرب من القدس الشرقية.

المثير أن إسرائيل لا تزال تفتقد لقانون دستوري، كما أنها لم تسجل رسميا حدودها بعد. ولم يبد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل ومؤسسها، رضاه حيال إقرار قانون دستوري.

وعليه، لا تزال إسرائيل حتى الآن من دون أي قانون دستوري. بدلا من وجود دستور رسمي مكتوب، فإنه بناء على «قرار هراري» عام 1948 الذي أقره المجلس التأسيسي الإسرائيلي، اعتمدت إسرائيل عدة قوانين أساسية، مما يعني أن هذه القوانين تعمل بمثابة دستور البلاد.

وفي هذا الصدد، أقر الكنيست في العقود الأخيرة بعض القوانين باعتبارها قوانين أساسية. مثلا، عام 1980، وافق الكنيست على قانون القدس الأساسي، والذي ينص على «إقرار مكانة القدس كعاصمة لإسرائيل، وضمان سلامة ووحدة القدس، والتعامل مع الأماكن المقدسة، وضمان حقوق أتباع الديانات، ومنح المدينة أفضلية خاصة في ما يتعلق بالتنمية».

عام 1994، أقر الكنيست قانونا أساسيا آخر بعنوان «حرية العمل»، وينص على أن «القانون يكفل حق كل مواطن إسرائيلي أو مقيم بإسرائيل في المشاركة بأي عمل أو مهنة أو حرفة».

اليوم، ظهر قانون أساسي جديد في إسرائيل أخطر بكثير من كل ما سبقه من قوانين، حيث يعلن القانون الجديد أن إسرائيل دولة لليهود. لقد سبق أن سمعنا نتنياهو وهو يكرر كثيرا هذا المعنى في خطاباته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أو داخل الكونغرس الأميركي. الآن، ستسعى الحكومة الإسرائيلية، وفي المستقبل القريب الكنيست، لتغيير اسم دولة إسرائيل إلى دولة إسرائيل اليهودية، أو إسرائيل كدولة يهودية. ويعني ذلك أن جميع الأقليات، بما في ذلك المسلمون العرب الذين يشكلون قرابة 25 في المائة من السكان، لن يتمتعوا بحقوق متكافئة مع مواطنيهم اليهود.

وقد مرر مجلس الوزراء القانون بأغلبية 14 صوتا مقابل 6 أصوات، في وقت يشهد تفاقم التوترات مع الفلسطينيين.

جدير بالذكر أن الصياغة النهائية للقانون لم تقر بعد، وتستلزم موافقة الكنيست. ومن شأن القانون الجديد إعلان طابع يهودي لإسرائيل، والاعتماد على الشريعة اليهودية كمصدر إلهام للتشريعات، وإسقاط العربية كلغة رسمية ثانية.

من جانبه، قال نتنياهو إن هذا القانون ضروري للتصدي لمن يعارضون فكرة إسرائيل كوطن لليهود. وأضاف أن «دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، لكنها تكفل حقوقا فردية متساوية لجميع المواطنين، وهو أمر نصر عليه». واستطرد «لكن الشعب اليهودي وحده من يملك حقوقا قومية، مثل العلم والسلام الوطني وحق كل يهودي في الهجرة للبلاد ورموز قومية أخرى. وتلك أمور مكفولة لشعبنا فقط داخل دولته الواحدة والوحيدة».

الواضح أن هذه القضية المثيرة للجدل ستلقى حتما بعض النقد. مثلا، قال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين «أولئك الذين صاغوا بحكمتهم العظيمة إعلان استقلال إسرائيل أصروا على ألا يشعر العرب داخل إسرائيل مثلما شعر اليهود في الشتات».

كما نشر موشيه أرنز، الذي سبق له تقلد منصبي وزيري الدفاع والخارجية، تعليقا بصحيفة «هآرتس»، ذكر فيه «لسنا بحاجة لتشريع لجعل إسرائيل دولة يهودية، وليس بإمكان أحد بناء دولة يهودية بتشريع. إن القانون المقترح لا داعي له، بل وأراه مضرا، بالنظر إلى أن ربع سكان إسرائيل من غير اليهود».

كما أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، الاثنين الموافق 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، أن «موقف الولايات المتحدة، الذي لم يتبدل، واضح منذ سنوات - وأكد عليه الرئيس ووزير الخارجية مرارا - وهو أن إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية يتمتع داخلها جميع المواطنين بحقوق متساوية».

ورغم استخدام المتحدث الرسمي عبارة «دولة يهودية»، فإنه في غضون أقل من 10 ساعات لاحقا، أعلن نفتالي بينيت، وزير الاقتصاد وزعيم حزب «البيت اليهودي» القومي «أقول للأميركيين، سنتولى أمور دولة إسرائيل بأنفسنا».

من جانبي، أعتقد أننا نقف في مواجهة سيناريوهين: أولهما أننا سنتولى مناقشة وانتقاد القانون الأساسي الخاص بإنشاء دولة يهودية لبضعة شهور، بناءً على الاعتقاد بأن المشكلة تكمن في الموافقة على أو رفض القانون، ومن يؤيده ومن يعارضه.

أما السيناريو الثاني فيدور حول ضرورة أن نضع في اعتبارنا الواقع القائم وراء التصرفات الإسرائيلية. في الواقع، يبدو أننا نواجه احتمالات محو فلسطين والفلسطينيين، وهذا أمر يفوق في خطورته إعلان دولة يهودية، لأنه يعني محو جزء من تاريخ فلسطين ومحو الشعب الفلسطيني.

للأسف، يبدو معظم العالم الإسلامي والدول المسلمة في حالة سبات أبدي داخل كهف من الجهل، وهم مشغولون بأنفسهم عما يدور حولهم. في 20 نوفمبر قرأت مقالا بالغ الأهمية لسركيس ناعوم، رئيس تحرير صحيفة «النهار»، كان بمثابة صيحة إيقاظ لنا جميعا.

في مقاله، ركز سركيس ناعوم على خطة إسرائيل للقدس الشرقية، حيث ترغب الحكومة الإسرائيلية في تغيير هوية شرق بيت المقدس بحلول عام 2020، وهي خطة تمتد لعشر سنوات بدأ تنفيذها بالفعل عام 2010. ومن 2010 حتى 2014 دمرت القوات الإسرائيلية أكثر من 1000 منزل فلسطيني وشردت ما يتجاوز 3000 فلسطيني من القدس الشرقية. ومع كل يوم يمر تسير إسرائيل على خطى الخطة المرسومة، حيث تدمر المنازل وتشرد أفرادا وتلتهم القدس الشرقية.

ويعني ذلك أن إسرائيل نفذت بالفعل قانونها الأساسي الجديد منذ وقت طويل.