المهم عودة الآثار!

TT

استطعنا بالمجلس الأعلى للآثار بمصر وبالتعاون مع إدارة الأمن القومي في أميركا أن نعيد آثارا سرقت من مصر وهربت إلى أميركا. وكان من أهم القطع الأثرية النادرة التي نجحنا في استعادتها لوحة حجرية بديعة سرقت من منطقة أخميم الأثرية بصعيد مصر؛ وقد نقش عليها القرابين المقدمة من أحد الأمراء إلى «مين» رمز الخصوبة والتناسل عند المصريين القدماء. واللوحة من الحجر الجيري الملون وغير مسجلة في سجلات الآثار المصرية؛ مما يعني أنها من نتاج ما نسميه بالحفائر الخلسة التي يقوم بها تجار الآثار، أو التي يعثر عليها مصادفة إما أسفل المنازل أو حتى في الأراضي المزروعة وأثناء الحفر لسبب أو لآخر. ومعروف أن أخميم – المدينة الحديثة - مقامة فوق أخميم القديمة؛ ولذلك يحفر بعض الطامعين في الثراء السريع داخل وأسفل منازلهم؛ أملا في العثور على الآثار وبيعها للتجار. وقد عرفت أن هناك تاجر آثار شهيرا يحمل جنسية إحدى الدول العربية الشقيقة يقف وراء هذه السرقات، وكان متورطا في القضية المعروفة بمصر بسرقة الآثار الكبرى وعليه حكم بالسجن.. وإلى الآن لم يتم ضبطه لتنفيذ الحكم.

وكان من ضمن ما أعيد من آثار مسروقة تابوت تم تهريبه إلى ميامي بولاية فلوريدا الأميركية عن طريق إسبانيا، ولا زلت أتذكر مشاق الرحلة إلى الولايات المتحدة لأعود مع التابوت على رحلة مصر للطيران، وأتذكر أن مجموعة من السائحين الأميركيين عندما علموا أنني مسافر معهم على نفس الرحلة جاءوا لتبادل التحية والحديث عن الآثار. وعندما سألتني سيدة منهم عن سبب وجودي في أميركا، أجبتهم بسلامة نية عن قصة التابوت المسروق، وقلت لهم إن هذا التابوت الآن يرقد ببطن الطائرة عائدا إلى وطنه مصر!! وهنا تغيرت وجوههم وارتسمت عليهم علامات الرعب والخوف! وعندما سألتهم هل هناك شيء خطأ؟ قالوا لي إنهم يخشون من لعنة الفراعنة أن تصيب الطائرة كما أصابت السفينة تايتنك من قبل وكانت تحمل عندما غرقت مومياء أميرة مصرية! وضحكت كما لم أضحك من قبل وقلت لهم تايتنك كانت تبحر بعيدا بمومياء أميرة مصرية سرقت من وطنها؛ أما أنتم فتعودون بتابوت مصري إلى الأرض التي صنعته. وهدأت أنفسهم؛ أما أنا فكنت عند كل مطب هوائي أرتعد وأقول استر يا رب.

أما عن أخطر قضية سرقة آثار وتهريبها إلى أميركا، فكانت تلك المرتبطة بضابط طيار أميركي حضر إلى مصر، وقام بشراء مجموعة من الآثار سرقت من مخزن منطقة عزبة الوالدة بآثار حلوان، وهذه الآثار كانت مسجلة وتتبع كلية الآداب جامعة القاهرة.. وقابلت ضابطا أميركيا رائعا وعرض علي الصور، وقلت له: «إن هذه الآثار مسجلة وخرجت من المخزن بعد سرقتها منذ أعوام»، وطلب مني ألا أخبر أحدا بهذا الموضوع، وبعد عام تم ضبط الطيار الأميركي وعادت الآثار إلى مصر مرة ثانية، وهذه الحكاية تصلح لأن تكون فيلما سينمائيا لما فيها من ألغاز وأسرار، سوف تعلن في وقتها... وقد جاء هذا التعاون رغم عدم وجود اتفاقية لعودة الآثار المسروقة بين مصر وأميركا، ولكن استطعنا أن نُصيغ الاتفاقية وتركت المنصب الحكومي قبل توثيقها.. ليأتي تصريح على لسان من جاء بعدي مسؤولا عن الآثار يقول: إن الآثار المسروقة من مصر والمهربة إلى أميركا سوف تعود بفضل جهوده الحميدة، ولم يذكر أي فضل أو عمل لمن سبقه... هناك الكثير من المسؤولين ينسبون لأنفسهم مجهودات من سبقوهم، وللأسف الشديد هذا عيب وعار.. ولكن ما يهم في الأمر هو أن تعود آثارنا إلى بلادنا.