التشهير بالشركات

TT

ما من شك أن أي قضية تمس شركة وتثير حولها التحفظات والشك والريبة والقلق، تصبح بمثابة أداة هدم لها، وخصوصا إذا سعت هذه الشركة بشكل جاد ودؤوب وحرص حقيقي، إلى تنمية سمعتها بشكل ملموس ومحترم، ويكون بالتالي الحكم عليها من جراء هفوة أو خطأ واحد، هو بمثابة ظلم عظيم، وخصوصا إذا ما لحق وتبع ذلك الأمر حملة «تشهير» على وسائل الإعلام سواء بدعاية مدفوعة الثمن أو حملات «مباركة» في وسائل التشهير الاجتماعي التي باتت معروفة.

العقوبة يجب أن تكون من جزاء وصنف العمل، ويجب أن يكون هناك تواصل محدد تخطو وتتم فيه مراحل قانونية وقضائية قبل الفضح بالتشهير، والتشهير يجب أن لا يكون مقبولا أبدا للمخالفين أصحاب المرة الأولى. هذه النوعية من «الفضح» الإجباري والترويع لن تساعد على خلق وإيجاد مناخ سوي إلا بتحقيق العدالة على الكل، فالتاجر الذي يستورد بضائع «مقلدة» أو «مغشوشة» أو «ممنوعة»، يجب أن تكون عقوبته متساوية تماما مع من سمح بمرور هذه البضائع من المنافذ الحدودية الجمركية الرسمية، رغم كونها مخالفة للمواصفات. وقتها تكون المخالفة والعقوبة موضع احترام أعظم وتقدير.

الإعلام المسؤول هو الذي يبحث عن الحقيقة ويتحراها لأجل الصالح العام، فينصف الشركات وقطاع الأعمال لو كان عليه غبن أو وقع بحقه ظلم، وهو القطاع الذي مرت عليه سنوات عجاف من الظلم وقتما تعرض لمذبحة تأخير المستحقات المالية جراء أعمال نفذها بجدارة ومصداقية وأمانة، ومع ذلك كان يتم «معاقبة» هذا القطاع بوضعه على قوائم المصارف والبنوك السوداء، بحجة تأخرهم عن السداد وإيقاع أقصى العقوبات عليهم جراء التأخير في التنفيذ علما بأن مستحقاتهم موجودة لدى الجهات المعنية، ولم يتم معاقبة أي من الذين تسببوا في هذا الأمر، وطبعا بقي الإعلام صامتا عن تلك المسألة الحقوقية. اليوم نرى مشاهد جديدة من التشهير بقطاع رجال الأعمال، منها ما هو قد يكون مستحقا، ومنها ما هو نوع من فرض العضلات والاستقواء لصالح القوي على مغلوب على أمره، وهي بالتالي معركة ليست متكافئة أبدا.

شركات مهمة وغيرها أقل أهمية باتت لا تخشى من قبضة العدالة، ولكن من «التجبر»، فساحة الإعلام والنشر المفتوحة لا ترحم، وإذا مس الإنسان أو الشركة الضرر، فسيكون من الصعب جدا الرجوع من ذلك الأمر بسلامة وروية. القانون والنظام والعدالة لها أوجهها ولها طرقها التي يجب أن تكون موضوعية ومستقلة تماما، وتعد الجهات التشريعية لتلعب أدوارا تكون فيه هي الخصم والحكم في آن. السلطة «الرابعة» هي الإعلام المسؤول الذي لا يكون له دور في غياب أدوار حقيقية للسلطات الـ3 الأولى، وطالما غابت السلطات الـ3 الأولى أو إحداها عن دورها فسيكون الإعلام صاحب دور رمزي وأقل وبغير فعالية، ولا تأثير ولا أهمية، ويتحول إلى دور مضر وسلبي وهدام. حماية سمعة الشركات عبر منظومة دقيقة وأمينة وناجعة، تحفظ كيانا وجزءا مهما من القاعدة الاقتصادية ككل، فالعدل وعدم التجبر في العقوبة، هما اللذان يجلبان الاحترام وليس الخشية من القانون، وهناك فارق خطير وجوهري بين الأمرين ولا شك.

اليوم نرى حالة استقصاء وتوجه غريب أن يكون قطاع الأعمال «خصما» للشعب، وسقفه «واطي»، والخسارة، لو استمر الأمر هكذا، ستكون على الجميع مع مرور الوقت ومخطئ من لا يرى هذا.