لن تكون المنامة آخر العواصم

TT

رغم أن انتخابات مجلس النواب التي جرت في البحرين، في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قد كشفت في نتائجها النهائية عن أكثر من مفارقة لافتة، فإنني قد توقفت طويلا أمام مفارقة بعينها، هي نصيب الإخوان في الحصيلة كلها!

توقفت أمام نصيبهم هناك، لأنه في ظني حين جاء على هذا النحو، الذي جاء عليه، كان ذا صلة بما حدث في مصر، بشكل خاص، ثم ما حدث في أكثر من عاصمة عربية بشكل عام، منذ أن وقع ما اصطلح عليه بعضنا على أنه ربيع عربي!

إذ ليس سرا أن انتخابات البرلمان الأخيرة، التي جرت في ليبيا، قد كشفت عن أن نصيب التيار الإسلامي كله، لا الإخوان وحدهم، قد جاء في صورة 20 مقعدا لا أكثر، من بين 200 مقعد، هي إجمالي عدد مقاعد البرلمان الليبي، الذي تعرض لقرار بالحل، مؤخرا، بعد أن حاصرت ميليشيات إسلامية هناك المحكمة الدستورية، وأرغمتها على إصدار هذا القرار، ولم يكن خافيا على أحد، منذ إعلان نتائج الانتخابات النيابية في ليبيا، قبل 3 أشهر من الآن، أن البرلمان الجديد الذي جاءت به هذه الانتخابات ليس مريحا للإسلاميين في عمومهم، لأنه أولا كشف عن حقيقة حجمهم في الشارع، وثانيا لأنه قد تبين لهم أنهم لن يكونوا مؤثرين فيه، عند اللزوم!

ثم إنه ليس سرا كذلك أن انتخابات البرلمان في تونس، في الشهر الماضي، قد خسرتها حركة النهضة الإسلامية كذلك.. صحيح أنها حصلت على 65 مقعدا، من بين 217 مقعدا، وصحيح أن نصيبها يزيد على الثلث بقليل، إلا أنها في النهاية خسرت ما كانت تتصور أنها سوف تكسبه، وهو الوصول إلى الحكم نفسه، وربما لهذا السبب قد وجدت نفسها مضطرة إلى أن تأخذ خطوة إلى الوراء في انتخابات الرئاسة التي جرت جولتها الأولى آخر نوفمبر، وتجري جولتها الثانية خلال أيام، فلم تطرح مرشحا باسمها.

وليس سرا، للمرة الثالثة، أن «النهضة» التي أعلنت على الملأ أنها لن تطرح مرشحا لها في سباق الرئاسة، ولن تدعم مرشحا بعينه، قد راحت تدعم سرا المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية الحالي، فإذا به ينتكس في الجولة الأولى، وإذا به يحل ثانيا، بعد الباجي قايد السبسي، رئيس حركة «نداء تونس»!

وكان لحصول المنصف على ما يقرب من 26% من إجمالي أصوات الناخبين الصحيحة، معنيان مهمان، أتمني ألا يفوتنا أي منهما.. أما أولهما فهو أن النهضة «الإسلامية» قد قالت لنا كلاما ثم فعلت عكسه على الأرض، من خلال قواعدها بين الناخبين، بما يذكرنا بما كان عليه سلوك الإخوان أنفسهم، في القاهرة، بعد 25 يناير (كانون الثاني) 2011، فقد كانوا دائما يعطون إشارة على أنهم متجهون إلى اليمين، مثلا، وفجأة تجد أنهم انحرفوا إلى اليسار!

وأما المعنى الثاني اللافت في حصيلة المنصف، من جولة الرئاسة الأولى، فهو أن وقوف «النهضة» وراءه، سرا، لم ينقذه، ولا أتصور أنه سوف ينقذه في الجولة الثانية!

فإذا ما أنكر أحد، من «النهضة» أو من غيرها، أنهم فيها قد دعموا المنصف في جولة الرئاسة الأولى، فسوف أحيله إلى دلالتين؛ أولاهما أن حجم نصيب المنصف في الجولة الأولى هو ذاته تقريبا حجم نصيب «النهضة» في انتخابات البرلمان، وإلا فإن على الذين سوف ينكرون دعمها له أن يفسروا لنا كيف يحصل حزب المنصف على مقعدين، لا ثالث لهما، في سباق البرلمان، ثم يحصل الرجل على ثلث أصوات سباق الرئاسة.. كيف؟!

وأما الدلالة الثانية فهي ما قاله علي العريض، رئيس الحكومة التونسية السابق، والقيادي في النهضة، في حوار له مع «المصري اليوم» القاهرية، يوم 3 ديسمبر (كانون الأول)، عن أن القواعد عندهم قد صوتت لصالح المنصف!

صحيح أن كلامه يطرح سؤالا مهمّا حول ما إذا كان يجوز للقواعد في الحركة أن تتصرف أمام الصناديق بعكس ما التزمت به قياداتها علنا، ولكن هذا على كل حال موضوع كبير آخر!

أعود إلى القاهرة، حيث الجماعة الأم، وحين لا يزال هناك في مصر إلى الآن من لا يزال يتخوف من أن يكون للجماعة الإخوانية وجود مؤثر، في مجلس النواب القادم، وهو تخوف لا محل من الإعراب لأن الناخب الذي ذاق ما ذاقه من الإخوان وهم في السلطة لمدة عام، ثم فيما بعد العام وصولا إلى اليوم، قد رآهم على حقيقتهم العارية، ولذلك فليس من المتصور أن يعطيهم ناخب عاقل صوته، اللهم إلا إذا راحوا كعادتهم يخدعون الناخبين، ويخادعونهم، ويتخفون وراء أسماء لمرشحين، ليس معروفا عنهم أنهم إخوان، أو حتى أنهم إسلاميون.. فالخديعة، والكذب، والدجل باسم الدين.. كلها صفات متأصلة في جماعة الإخوان، وكلها عنوان لهم!

ومن القاهرة إلى البحرين، نكتشف أن الإخوان فازوا بمقعد يتيم، من بين 40 مقعدا في البرلمان كله، بعد أن كانوا في برلمانات سابقة يدورون حول 5 أو 7 مقاعد!

حين سقط الإخوان في مصر، فإن بنيانهم قد تداعت جدرانه، في سائر عواصم العرب.. ولن تكون المنامة آخرها.