لبنان سعيد عقل وسوريا أنطوان سعادة!

TT

توفي منذ أيام الشاعر اللبناني المعروف سعيد عقل. رحل ورحل معه الجدل الذي أحدثه بخصوص مواقفه المختلفة، ولعل أشهرها موقفه من الفلسطينيين و«دعوته» للجيش الإسرائيلي ورئيس وزراء إسرائيل وقتها مناحم بيغن لأن ينجز المهمة ويقوم بقتل كل الفلسطينيين في لبنان، وكذلك موقفه من اللغة العربية الفصحى ومن القومية العربية، وتأكيده على أن لبنان هو لبناني وفينيقي فقط، ولذلك كان «دفاعه» عن لبنان ضد ما يتهدده من مخاطر سواء «قومية عربية» أو «دينية إسلامية». لكن سعيد عقل آثر الصمت في أيامه وشهوره وسنواته الأخيرة - وغير معروف ما إذا كان صمته رضا أم صمت قهر وهو يرى «لبنانه» وقد تحول إلى مرتع لسوريا وإيران وأتباعهما - حيث لم ينطق فيها سعيد عقل معترضا ولا مستغربا على أقل تقدير حتى، ولبنان تنخلع جذور هويته، ويُعلن فيه علنا أن الحزب الحاكم ولاؤه لمشروع ديني أصولي طائفي قومي، كل ذلك وسعيد عقل صامت تماما عن هذا.

في رأيي خطأ سعيد عقل الأكبر ليس سخطه المشين واعتداءه الآثم على الفلسطينيين، ولا موقفه من اللغة العربية، فالفلسطينيون شرفاء وكرام برأيه أو دونه، واللغة العربية باقية وخالدة وليست بحاجة إلى تزكية منه، لكن خطيئته هي تخليه الأخلاقي عن «مشروعه» اللبناني حتى الرمق الأخير بلسانه أو بقلبه وذلك أضعف الإيمان. تخلى عن كل ذلك وأسهم بشكل ما وبطريق غير مباشر في الحال الجديد الذي استقر عليه لبنان من «احتلال» من نوع أخطر، ووقع سعيد عقل في الازدواجية الخطيرة التي يخشى منها المثقف وهي النفاق السياسي، فما هو حلال على الفلسطينيين يصبح ممنوعا ومحرما على السوريين وعلى الإيرانيين!

وما ينطبق على «لبنان سعيد عقل» من الممكن أن يقال على «سوريا أنطوان سعادة».. أنطوان سعادة مؤسس الحزب القومي السوري، والذي كان يؤمن بسوريا كبرى تضم لبنان وفلسطين والأردن والعراق وقبرص. كان يرى في الشام درة وقلب الأمة، والشعب السوري أفضل الشعوب في عالمه. صحيح أنه توفي قبل أن يرى المآسي التي أتت تباعا على سوريا بشكل درامي ومفجع، لكن اللوم الشديد يقع بقوة على «أتباعه» الذين جاءوا بعده وشاهدوا سوريا تغرق في أوحال الفساد والطغيان والظلم والجبروت، متناسين الشعارات البراقة والمثالية والمبادئ الأخلاقية التي كان ينادي بها ويرددها على الدوام الزعيم المؤسس أنطوان سعادة. كل ذلك اتضح أنه بالنسبة إليهم ما هو إلا هباء منثور ولا معنى حقيقيا له.

لبنان اليوم ليس بلبنان جبران خليل جبران الذي تخيله ذات يوم، ولا هو بلبنان سعيد عقل، وحتما ليس هو بلبنان هنيبعل وأليسار أيقونتي فينيقيا المعروفتين، لكنه لبنان غريب ومخيف.

وسوريا اليوم لا علاقة لها بأنطوان سعادة ولا يوسف العظمة ولا هاشم الأتاسي ولا سعد الله الجابري ولا رشدي كيخيا.. إنها سوريا الموحشة الموتورة الدموية تحكم من عصابة لصالح عصابة تدعمها عصابة. لن يبقى الوضع في سوريا على ما هو عليه، فلن يكون بشار الأسد أهم من صدام حسين ولا معمر القذافي ولا أدولف هتلر ولا غيرهم من الطغاة، ولا حل للبنان سوى أن يكون جزءا من سوريا الجديدة، فهما الامتداد الطبيعي لبعضهما بعضا إذا ما كتب لذلك الأمر أن تكون سوريا خالية من مستنقع الأسد ولبنان خاليا من أوحال «حزب الله».

قد يكون هذا الطرح حلما من الأحلام المثالية التي ينسجها خيال المحبين، لأن واقع البلدين اليوم هو كابوس لا يجرؤ على التفكير فيه أقصى المتشائمين.