إغلاق ملف محرج

TT

الفلسطينيون هم أكثر المستفيدين من نجاح المبادرة السعودية في جمع شمل الخليج أولا، ثم إغلاق الملف المصري القطري، الذي لم يكن، بكل خلفياته وتداعياته، مقنعا ولا حتى مبررا، والجميع يأمل أن تغلق وإلى الأبد هذه الثغرة، وأن يتكرس الوئام الخليجي المصري، كحجر زاوية لوضع عربي جديد يحصن الأمة في أخطر مراحل وجودها، ويدخلها إلى معادلات القوى السياسية الإقليمية والدولية، كطرف فاعل وشريك في القرار، ذلك بعد أن عانينا الأمرين من تهميش دورنا حتى في القضايا المتعلقة ببلداننا ومصائرنا.

وحين أقول إن الفلسطينيين هم أكثر المستفيدين من رأب الصدع القطري المصري، فلأنهم أولا يشعرون بحنين دائم إلى الدفء القطري المعتاد في دعمهم والعطف عليهم، وحين نشب الخلاف مع مصر، وأخذ في بعض جوانبه طابعا عدائيا، شعر الفلسطينيون بالحرج الشديد؛ أي ذلك الحرج الذي يولده خلاف بين شقيق وشقيق، فمع من تقف وإلى أي جهة تذهب العواطف والمواقف.

إلا أن ما هو أهم من ذلك كله، هو أن القضية الفلسطينية التي يعطيها العالم اهتماما ملحوظا في هذه المرحلة وتتواتر فيها الاعترافات التي توصف بالرمزية، سوف لن تتحول الاعترافات الرمزية إلى حقائق سياسية مؤثرة إذا ما ظل الواقع العربي ممزقا ومتصارعا مع نفسه، ومنتجا لقضايا موازية أو بديلة تضع القضية المركزية في ذيل القائمة، ولا تشجع أحدا على بذل أي جهد جدي لحلها، غير أن الجهد الذي أدته المملكة خليجيا وعربيا، هو أول الطريق لتقدم عربي استراتيجي، لا بد أن يتسع نطاق الوحدة فيه، ليشمل دولا أخرى، لعلنا بذلك نحرر أنفسنا من الصيغ الهشة والملفقة لما كان يسمى بـ«التضامن العربي»، الذي كان في واقع الأمر ومن خلال مؤتمرات القمة ونمطية أداء الجامعة العربية، مجرد غطاء للمصطلح المفرغ من مضمونه، حتى قيل يوما إن مؤتمرات القمة العربية ومعها الجامعة العربية هي لمجرد القول إنه لا يزال في الذاكرة نظام عربي!!

إن التطورات الداخلية والإقليمية والدولية، جعلت الصيغة العربية التقليدية، وراء ظهر العالم، وبات ملحا إنجاز صيغة عربية جديدة، تلامس هذه التطورات وتتفاعل معها من موقع التأثير وليس من المواقع القديمة الأقرب إلى تلقي التعليمات، ففي هذا العالم الذي نعيش؛ حيث تندثر دول وتقف أخرى على حافة الإفلاس وتُعد خرائط جديدة، وتتلاشى فيها اعتبارات وحمايات ومعادلات؛ أي إننا في عالم توصف أحداثه بحرب كونية متفرقة الساحات والدوافع والأهداف، لم يعد لنا من حماية إلا من خلال صيغة تحالف أكثر منطقية وحداثة، ولا أخال دولنا العربية تفتقر إلى مقومات فعلية تجعل من صيغتها الجديدة رقما يستحيل تجاوزه من قبل المتقاتلين على صناعة المصائر الجديدة للمنطقة والعالم.

وحين تتكرس هذه الصيغة التحالفية الحديثة كحقيقة سياسية، يستطيع الفلسطينيون المنكوبون، بواقع أنهم الشعب الوحيد الذي بلا دولة، رؤية فرصة حقيقية لقيام دولتهم بعد 3 أرباع القرن من السباحة في الفراغ.

إن المصالح العربية في جوهرها متقاربة ومتشابهة ومتماثلة، وما يتبقى في هذا الزمن أن تختم هذه المصالح بصيغة سياسية قادرة على تسويق نفسها إلى التجمعات الدولية الفعالة، وبغير هذا سنظل مهما بلغت أرصدتنا على هامش العصر بعيدين عن التأثير فيه.

إن إغلاق الملف القطري المصري ينبغي ألا يكون مجرد تعديل لعلاقة ثنائية، بل ينبغي أن يكون مقدمة لما ينبغي أن يأتي بعده.