الحرب هي الحرب؛ دماء، وجراح، وأسر، وفقد، وثكل، وقلق، وخداع، وإقدام وإحجام.
هي كذلك، منذ عهد القوس والرمح، حتى عصر إف 16 وتوماهوك.
كلنا نعلم عن التحالف الدولي لمحاربة تتار العصر، داعش، في سوريا، تحالف قوامه أميركا والسعودية والإمارات والأردن، وفي العراق تحالف آخر أيضا ضد جند البغدادي.
عن الحرب على «داعش»، وأخواتها، قال ملك الأردن عبد الله الثاني في مناسبة قريبة، إن هذه الحرب هي واجب على المسلمين والعرب قبل غيرهم، حماية للبلاد والعباد، وصيانة لجناب الدين عن تلويث الفعل والعقل المتوحش.
واجب داخلي مستحق وضروري، وليس مجرد مجاملة لأميركا، كما يقول الإسلاميون في الأردن ومعهم عتاة اليسار والقومية.. الأردن مجبر على خوض الحرب، حماية للأردن نفسه، قبل أي شيء آخر، وحتى لو تخلف الأميركان وغيرهم عن الحرب فلا يسع الأردن التخلف، صحيح أن التحالف وفر عمقا ومظلة للمساهمة الأردنية، ولكن هذا أمر يتصل بتقوية العمل وتمتينه، لا بشرعيته ومسوغه.
يقال هذا ردا على من حاول أن يتخذ من وقوع طيار أردني أسيرا بيد «داعش»، بعد تحطم طائرته إف 16 فوق الرقة، كرسي الخلافة، ذريعة لتوبيخ الدولة الأردنية على مقاتلة «داعش». الإرهابيون يقولون إنهم أسقطوا الطيارة بصاروخ حراري، والأميركان يقولون بل سقطت بسبب عطل فني لا بصواريخ جند البغدادي.
وقوع الشاب الملازم معاذ الكساسبة، ابن الكرك، أسيرا بيد «داعش» أحدث صدمة في الشارع الأردني، لا بمعنى الخوف، بل الدهشة، فالحرب كانت بلا ضحايا أردنيين حتى ساعة أسر الكساسبة، وهنا تبين الوجه الآخر للحرب، وهو وجه قبيح بكل حال، كان تجاوب الأردنيين مفعما بالعاطفة مع ابنهم معاذ الكساسبة، خاصة بعد إظهار الدواعش صورته وهو بين مجموعة منهم. وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، كما نشرت «الشرق الأوسط»، كـ«فيسبوك»، حملات تضامنية، وفي «تويتر» «هاشتاغ» «#خليك_نسر» و«#كلنا_معاذ_الكساسبة».
من الطبيعي أن تشعر أسرة الأسير بالقلق، وتناشد «داعش»، ويسارع الجيش الأردني لإصدار البيانات المطالبة بالهدوء وتجنب الإثارة، وأن العاهل الأردني، شخصيا، يتابع قضية الطيار.
كيف ستتصرف «داعش» مع الطيار الأردني؟
هل ستمارس سلوكها المعتاد فيمن يقع بأسرها؟ أم ستكون أذكى هذا المرة وتجعل الأسير الأردني ورقة تفاوض؟
هناك متعاطفون كثر مع «داعش» داخل الأردن، ومن هؤلاء محمد الشلبي أبو سياف الأردني، الذي أصدر بيانا حول أسر الطيار الكساسبة، مجادلا في مدى مصلحة الأردن من حربه ضد التنظيم، مزجيا المديح «للدولة» الإسلامية. وقال إن مصير الكساسبة «عائد لقادة الدولة الإسلامية التي ترامى إلى مسامعنا أنها ستقوم باستبداله بالأسيرة ساجدة الريشاوي التي أرسلها أبو مصعب مؤسس الدولة الإسلامية رحمه الله للقيام بمهمة، وتم إلقاء القبض عليها، وبالأسير زياد الكربولي أحد أفراد تنظيم الدولة».
الأردن الشجاع في لحظة تحتاج المساندة والدعم، حماية له من دواعش الخارج ومراسيل الخير في الداخل.