ترتب على المراجعة المذهلة، التي صدرت مؤخرا، لأرقام الربع الثالث من العام بشأن نمو الاقتصاد الأميركي، الذي ارتفع من التقديرات السابقة البالغة 3.9 في المائة إلى 5 في المائة، 4 مسارات مهمة وهي:
أولا، تشير القفزة في نمو إجمالي الناتج المحلي إلى اتساع نطاق ما كان يعتبر انتعاشا أميركيا خجولا؛ فبعد الانتعاش القوي خلال الربع الثاني من العام بنسبة 4.6 في المائة، والمكاسب الكبيرة التي تحققت في تقرير الوظائف لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) بـ321 ألفا، وهو رقم مفاجئ كذلك، تؤكد مراجعة الربع الثالث من العام على أن الانتعاش القوي استقر أخيرا. ولكن تعزيز ديناميات النمو ليس مؤكدا ويقينيا؛ فالتقديرات المخيبة للآمال التي صدرت لأرقام السلع المعمرة تعتبر تنبيها بأنه ما زال هناك حاجة إلى مزيد من الوقت للوصول للتعافي؛ ولكن محركات النمو أصبحت أقوى كثيرا واتسع نطاقها، وسوف تستفيد من زيادة مشاركة الشركات ذات الميزانيات الجيدة والأموال المعطلة الكثيرة.
ثانيا، سيقوي رقم النمو عزيمة بنك الاحتياطي الفيدرالي على البدء في رفع معدلات الفائدة في منتصف عام 2015؛ فبعد أن أعلن البنك خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) تخليه التام عن سياسته الخاصة بالتسهيل الكمي، ما زال يتحسس ما ينبغي القيام به بعد ذلك، ومتى. عليك أن تراقب البنك المركزي، مع وجود هذا الرقم الأحدث في جعبته، في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في شهر يناير (كانون الثاني) عندما يقدم إشارات بشأن اتخاذ إجراءات أكثر حسما، وهو الأمر الذي يمهد الطريق لبدء رفع أسعار الفائدة بحلول نهاية فصل الصيف على أقصى تقدير. وستكون هذه دورة تدريجية ومدروسة، حيث من المرجح أن يستقر السعر النهائي عند مستوى أقل من متوسط السعر التاريخي البالغ 4 في المائة.
ثالثا، يسلط رقم إجمالي الناتج المحلي الضوء على التباعد في النمو والسياسات عالميا، حيث تقف قوة الاقتصاد الأميركي في تناقض صارخ مع ما يحدث في منطقة اليورو واليابان. وسيرافق هذا الاختلاف الناتج ردود فعل مقابلة تتعلق بالسياسة النقدية، وهو ما يؤدي إلى رفع سعر صرف الدولار وحدوث مزيد من تقلبات الأسعار في قطاعات أخرى من الأسواق المالية.
وأخيرا، ربما تكون المخاطر المستقبلية التي تواجه النمو الأميركي هي ما يسميه الاقتصاديون خارجية وناشئة من الخارج. وبينما تمد محفزات النمو الأميركية جذورها على نحو أكثر عمقا واتساعا، تتركز العوائق الرئيسية التي تواجه الانطلاق الاقتصادي حاليا في مجالين؛ العائق الأول هو النمو الضعيف الموجود في باقي أنحاء العالم، فقد ساءت الأحوال بسبب وقوع صدمات جيوسياسية قادمة من روسيا. أما العائق الثاني فهو إما إمكانية وقوع حادث في السوق، نظرا لاعتماد المستثمرين بشكل مفرط على سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي الفضفاضة الممتدة، أو خلل ناشئ عن وقوع خطأ في السياسة، وذلك لتحمل البنوك المركزية الكثير من الأعباء لفترة طويلة للغاية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»