سقوط مشروع الإخوان المسلمين السياسي

TT

شهدت الساحة العربية كثيرا من الدروس المستفادة، خاصة بعد ما سمي بـ«الربيع العربي». لقد كانت كثير من الحقائق مطمورة تحت الأرض وجاء «الربيع العربي» ليعطينا بعض الدروس والعبر المستفادة من الشوارع المستباحة، ولعل أهم هذه الدروس هو كشف حقيقة الإخوان وأساليبهم ونياتهم تجاه مجتمعاتهم وأسباب سقوط المشروع الإخواني السياسي، وهذا ما تمثل في فشلهم في الانتخابات التي تمت في كثير من الدول العربية سواء في الانتخابات النيابية كما حدث في البحرين، أو الوزارية أو حتى الرئاسية، كما حدث في تونس؛ ففي غمرة التطورات المتلاحقة التي شهدتها المنطقة العربية كان لافتاً خلال عام 2014 تراجع تيار الإسلام السياسي متمثلا بشكل أساسي بجماعة الإخوان في مصر ثم تونس والبحرين وليبيا. وسقوط الإخوان لم يكن سقوطا سياسيا فحسب، إنما كان سقوطا فكريا، وحري بالإخوان أن يراجعوا مشروعهم السياسي أفضل من أن يظلوا يدورن في الدائرة المفرغة التي أنهكت دولهم وأنهكتهم، فهم الآن بحاجة إلى 6 عقود على الأقل من الزمان لكي يستعيدوا قوتهم.

مشكلة الإخوان الرئيسية أنهم انفصلوا عن المجتمعات التي يعيشون فيها فكريا واجتماعيا ودخلوا في حالة عداء مع مجتمعاتهم، لقد كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم هم النموذج الذي يجب أن يحتذى به، ولم يعترفوا بالآخر. النرجسية التي اتصفت بها شخصيتهم هي التي جعلتهم دائما في صدام مع المجتمع وفي أحيان أخرى لجأوا للعنف والإرهاب كما حدث في مصر وليبيا وفي بعض الدول كونوا لهم دولة داخل الدولة. وأكثر من ذلك أنهم ينظرون للآخرين نظرة استعلائية بحسبانهم أنهم وحدهم يملكون الحقيقة المطلقة وأن على الآخرين إذا ما أرادوا النجاة أن يتبعوهم. لم ينخرطوا مع عامة الناس ويعيشوا مع قضاياهم ومشكلاتهم فكان مصيرهم أن رفضتهم الجماهير، وفي مصر قاموا «بأخونة الدولة» فرفضتهم الجماهير؛ إذ في 30 يونيو (حزيران) 2013 خرج 30 مليون شخص طالبوا بالإطاحة بهم ووقف الجيش مع الشعب، وأهم من ذلك أن مصر هي أكبر من أن يحكمها الإخوان.

وفي تونس فازت حركة النهضة وشكلت حكومة ترأسها حمادي الجبالي، إلا أن الانفلات الأمني بقي سيد الموقف وبدأت الاحتجاجات تعود إلى الشارع التونسي مطالبة باستقالة الحكومة وبالفعل استقالت وتم إجراء انتخابات برلمانية أسفرت عن فوز حركة «نداء تونس» العلمانية وتفوقها على حركة النهضة التي لم تعد متصدرة للمشهد السياسي.

وفي ليبيا أطاح الناخبون بالإسلاميين في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أسفرت عن مجلس النواب والحكومة المعترف بها دوليا في حين تمسك الإسلاميون بالمؤتمر الوطني المنحل الذي يجتمع في طرابلس التي يسيطر عليها متشددون إسلاميون يدعمون المؤتمر.

وفي انتخابات البحرين النيابية لم يصل إلى المجلس إلا نائب واحد من الإخوان فقط. ومن ناحية أخرى أثاروا فتنة سياسية بين قطر من جهة والسعودية والبحرين والإمارات من جهة أخرى.. والتي أدت إلى سحب السفراء من طرف الدول الثلاث. الدين الإسلامي يدعو إلى التماسك بين المسلمين فكان حري بالإخوان أن يعرفوا الإسلام الذي يوحد ولا يفرق ولولا تدخل أمير الكويت لاستمرت الفتنة وتم إبعاد عناصر الإخوان عن قطر. أمثلة كثيرة لا يمكن أن نسردها جميعاً إلا أن الدرس الذي نخرج به هو فشل مشروعهم السياسي.

لا يستطيع الإخوان بهذه العقلية أن يتصالحوا مع مجتمعاتهم، بل هم من يثيرون الفتن ويقومون بالتحريض أينما وجدوا، إنها مراهقة سياسية وفكرية لم يتجاوزوها على مر الزمن، ولذا سوف تبقى هذه الإشكالية هي العقبة التي تواجه الإخوان، والمعضلة الكبرى كفكر وكتنظيم هي البحث عن الكيفية الناجزة لتحقيق اندماجهم في اللحمة الوطنية دون تكفير ولا استبعاد، ودون انفراد ولا استحواذ، لتدخل في الإطار الوطني لا تتعداه ولا تتعدى عليه.

لكن ما الحل وهم أفراد من مجتمعنا.. هل يظل الإخوان في حالة انفصال عن الزمان والمكان وهم أغلبهم من الشباب المغرر بهم؟ أعتقد أن أنسب تعامل معهم هو إعداد برامج تأهيل لإعادة دمجهم في مجتمعاتهم وخصوصا الشباب منهم، وهذا ما قامت به السعودية بالنسبة للمتطرفين الذين رجعوا من أفغانستان فكان أسلوب المناصحة للشباب الذي حقق نتائج كثيرة وتم دمج كثير من هؤلاء في مجتمعهم.

إلا أننا نسأل أنفسنا لماذا هذا السقوط في كل بلد عربي إسلامي كادوا يصلون فيه إلى قمة صناعة القرار كما حدث في مصر، في تونس، في ليبيا، في البحرين، في السودان.. هل مرجع ذلك إلى أن كل الدول العربية الإسلامية في حالة عداء مع الإسلام، أم إنهم لم يفهموا الإسلام على الوجه الصحيح؟ أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابة! رغم الدعم الذي يتلقونه من كل مكان إلا أن النتيجة هي فشلهم في الدول العربية والإسلامية كافة.