2015 في وداع عام واستقبال عام

TT

في مطلع العام الجديد 2015 لا تبدو في الأفق مبشرات بتغييرات كبرى قد تمس المشهد العام في الشرق الأوسط باستثناء دول الخليج العربي والأردن والمغرب، التي لم تتلطخ بالربيع الأصولي، ومصر المستنقذة من حوله، وربما عودة تونسية للبورقيبية الوطنية.

ما عدا ذلك، فالعالم العربي يغرق في الأولويات الأصولية ويغرق أكثر في الانتماءات الهوياتية الأكثر تخلفا من طائفية ومذهبية وعرقية وقبلية، فقد تحولت تلك الأصولية وهذه الانتماءات الهوياتية الضيقة إلى خطاب سائد وانتماء معلن وأحزاب وحركات وتنظيمات تعبر عن ذلك على أرض الواقع، وهي جميعا تستخدم العنف والتوحش والدموية كأدوات سياسية لفرض الشروط وتحقيق المكاسب، ولئن شهد العام الماضي خروج «السبي» والاسترقاق من أعماق التاريخ فسيكون العام القادم مفتوحا على أحداث أشنع وأبشع.

ثمة مشاريع ثلاثة كبرى تصطرع في المنطقة بأكملها: المشروع الإيراني التوسعي، والمشروع التركي الأصولي، والمشروع العربي المعتدل، أما المشروع الإيراني فتعبر عنه التصريحات التي أطلقها قبل أيام الجنرال حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، من أن «تغير موازين القوى الذي تشهده المنطقة يصب في مصلحة الثورة الإسلامية الإيرانية»، مؤكدا «وجود جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإسلامية في العراق وسوريا واليمن، يبلغ حجمها أضعاف (حزب الله) في لبنان». وأضاف أن «جماعة أنصار الله التابعة لجماعة الحوثيين في اليمن يمارسون الآن دورا كدور (حزب الله) في لبنان، بفضل اتخاذهم قيم الثورة الإسلامية نموذجا».

ليس في هذا جديد بالنسبة للمتابع ولكنه يبقى اعترافا بارتباط هذه الأحزاب الإرهابية بالنظام الإيراني، ولكن لماذا هذا الاعتراف الآن؟ يبدو أنه جاء كرسالة ذات بعدين؛ الأول، إقناع المفاوض الأميركي بقدرة إيران على حسم الصراعات في المنطقة عسكريا على الأرض. والثاني، موجه للداخل الإيراني الذي بدأ يعيش ضيقا اقتصاديا ومعيشيا خانقا، ويؤكد هذا تصريحات رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، التي جاء فيها أن «العلاقة بين الإيرانيين وحكومتهم ووفاءهم لثورتهم الإسلامية وتصدير هذه الثورة إلى بقية دول المنطقة، كلها أمور تساعد على حفظ البلاد من الداخل»، فهو تفاؤل للاستهلاك المحلي.

واحدة من أهم استراتيجيات إيران للتأثير في المنطقة كانت ولا تزال الرهان على الأحزاب أو الجماعات القائمة في البلدان العربية أو خلقها، إن لم توجد، ودفعها لتبني التخريب والإرهاب داخل بلدانها بما يخدم المصلحة الإيرانية، وأوضح ما تتجلى هذه الاستراتيجية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

المشروع الثاني، هو المشروع التركي الأصولي؛ فرهان تركيا الإردوغانية هو على العلاقات الوثيقة بالجماعات الأصولية السنية من جماعة الإخوان المسلمين في مصر إلى «جبهة النصرة» في سوريا، وهي مع بعض الدول العربية التي تتبنى الجماعات الأصولية تعادي الدولة المصرية وتشارك في دعم الحركات الأصولية التي تنشر الدمار والخراب في ليبيا، وهي راهنت منذ بداية الربيع الأصولي العربي على هذه الجماعات باعتبارها تشكل رأس حربة لمصالحها في العالم العربي، وما لم تتأثر مصالح تركيا الكبرى بمثل هذا التوجه فلا يبدو أن إردوغان الذي وسع ويوسع سلطاته في تركيا في وارد المراجعة أو التغيير.

إن إردوغان الذي يحكم بلدا علمانيا بدستور علماني تحميه المؤسسات والجيش، وسبق له أن دعا الأصوليين العرب لتبني العلمانية، يتبنى في الداخل مشروعا للقضاء على مدنية الدولة ويدعم مشروعا أصوليا في العالم العربي.

هذان المشروعان هما مشروعان أصوليان في العالم العربي، وبين البلدين زيارات ومشاورات ومحاولات لعدم اصطدام المصالح تعبر عنها الزيارات المتبادلة والتصريحات الودية، وحركات الإسلام السياسي بشقيه؛ السني والشيعي، منذ نشأتها وهي جماعات تستفيد من بعضها وتدعم بعضها وتتقاسم آيديولوجيات مشتركة وتنظيمات متشابهة وخطابات متقاربة يكيفها كل طرف بحسب موروثه المذهبي فقهيا وعقائديا، والجديد الذي قد يشهده هذا العام هو بوادر اصطدام قد تحدث بين الطرفين، سواء في سوريا أو في العراق أو اليمن، وقد بدأت بوادرها بالصراع بين جماعة الحوثي وجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، ومن قبل في استهداف رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي لطارق الهاشمي الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس.

وثالث هذه المشاريع الكبرى هو مشروع الاعتدال العربي الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتحالف وثيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة وغالب دول الخليج والأردن والمغرب، وهو مشروع يسعى لحماية مصالح الدول العربية والشعوب العربية، وهو مشروع نجح في استنقاذ الدولة المصرية من المشروع الأصولي الإخواني ودعمها حتى وقفت على قدميها في مهمة إنقاذ تاريخية، وهو مشروع يرفض الأصولية والإرهاب رفضا قاطعا، ومع حربه المستمرة ضد الإرهاب منذ سنوات طويلة، فقد أعلن عن رفض الأصولية التي تمثل جذر الإرهاب بقوانين وتشريعات وأنظمة تجرم جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي.

وسيشهد هذا العام عودة سعودية لبناء علاقات جديدة مع العراق، ودعما مستمرا للدولة اللبنانية، وعلى الرغم من الاختلاف مع مصر في موضوع الأزمة السورية، فإنه يمكن تجاوزه في حال تبلور حل سياسي يمكن البناء عليه ويحظى بتوافق دولي يدعمه لإنهاء الأزمة والانتصار للشعب السوري وحماية حقوقه ووحدة أراضيه.

بناء على رؤية واضحة، فهذا المشروع العربي المعتدل يمتلك رؤية جلية في الحرب على جماعات العنف الديني والإرهاب كتنظيم داعش في العراق والشام، و«جبهة النصرة» في سوريا وهو عنصر رئيسي في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وهو يدعم الشرعية في ليبيا ضد الجماعات الأصولية والإرهابية، ويدعم الدولة المصرية في محاربة بقايا تنظيم الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية في سيناء، وقد أصدرت بعض دوله قوائم مفصلة تكبر أو تصغر بالجماعات الأصولية والإرهابية المحظورة.

تعتبر الأزمة السورية أم الأزمات في الشرق الأوسط، وفيها تشتبك صراعات السياسة بالمشاريع الأصولية الإرهابية بالانتماءات الأكثر تخلفا، ولن تستطيع المشاريع الإقليمية حسمها ما لم تتدخل الدول الكبرى في العالم، وما سيطيل الأزمة هو أن روسيا تدعم المشروع الإيراني وتابعه نظام الأسد بكل قوة في حين تقف الدول الغربية موقفا متخاذلا وغير راغب في التدخل لدعم مشروع سياسي شامل في هذه المرحلة وهو يكتفي بمعالجة المشكلات الطارئة فقط، وهو نفس الموقف تجاه ليبيا واليمن.

أخيرا، فإن كانت دروس الـ40 عاما الماضية تخبرنا شيئا فهو أن التأخر في معالجة الأصولية والإرهاب يزيدها قوة وصلابة، وانتشارا وتأثيرا، وأن التردد في مواجهتها يحولها من خطر محلي إلى خطر دولي، وهو ما سيتضح أكثر في هذا العام الجديد.

[email protected]