إنه عالم تسريبات.. تسريبات!!

TT

لا أحد فينا بمأمن من التسريبات سواء كنت مشهورا أو مغمورا، الكل تحت مرمى نيران تلك العدسات والميكروفونات التي تسجل عليك كل شيء، بالطبع كلما ازدادت شهرتك أو كنت من أصحاب السلطة أو المال صرت هدفا مؤكدا لهؤلاء الأشرار المتطفلين.

عدد من نجوم هوليوود أمثال جورج كلوني وأنجلينا جولي وبيونسيه وغيرهم كانوا هم العنوان الرئيسي للتلصص في الأسابيع الأخيرة، وفي عالمنا العربي ازدادت تلك الجرعة، وعلى «النت» تجد عشرات منها لنجوم وإعلاميين، تم اختلاس لحظات خاصة لهم بالصوت والصورة.

الناس تستهجن هذا الفعل في العلن، وكل الأديان والتقاليد والأعراف والقوانين تحرم وتجرم انتهاك الخصوصية، إلا أننا، أقصد الأغلبية، بقدر ما نلعنها على الملأ تتابعها بشغف في السر، كان مثلا برنامج «الصندوق الأسود» الذي عرضته قناة «القاهرة والناس» يحقق أعلى درجات وكثافة المتابعة لما يحتويه من أسرار، وكلما أوغل مقدم البرنامج في كشف سر كان النهم يدعو المشاهد لترقب المزيد في الحلقة القادمة.

الانتشار الضخم للفضائيات ألغى تماما الصورة الذهنية القديمة للنجم أو الزعيم الأسطوري، وسائل التواصل الاجتماعي حطمت تلك الحالة من الشرنقة التي كان يعيش فيها النجوم، أغلب برامج الهواتف الذكية صارت تعقد معك صفقة تفتح شفرة البرنامج مقابل أن تمنح أسرارك المسجلة على المحمول.

التسريبات ليست بالطبع وليدة هذه الأيام، ولكنها مواكبة لوسائل الإعلام، ومع بدايات الصحافة ولدينا الصحف الصفراء التي تقتات على أسرار الناس، كان الفنان في الماضي يضع جدارا وسورا شاهقا يمنع اختراقه أو حتى الاقتراب منه، مثلا لن تجد إلا فيما ندر تسجيلات شخصية لأم كلثوم أو فيروز، وفي هذا القليل لن تجد أي سر خاص.

كانت أم كلثوم تخشى أن يعرف الجمهور ما الذي تفعله قبل الحفل، ومعروف أنها منعت الإذاعية آمال فهمي من أن تذيع عبر الميكروفون ماذا أكلت على الغداء، ولم تستطع آمال أن تخبر مستمعيها وقتها بهذا السر الخطير، وهو أن أم كلثوم تناولت وجبة تحتوي على ربع فرخة وسلطة بلدي ورغيف أسمر وكوب عصير برتقال.

هذا هو السر الحربي الممنوع من التداول، ولكن ليست كل التسريبات تُعلن بعيدا عن إرادة أصحابها.

أحيانا كانت الشائعات مصدرها الوسط الفني، مثلا الفنان الذي يعاني من الأفول يعمل على ذيوع أخبار كاذبة عن أجره المرتفع وتهافت شركات الإنتاج عليه، النجم الذي انتهى عمره الافتراضي ولم يعد في مقدمة الكادر ولا هو فتى أحلام البنات، يعلن أخبارا بأسلوب غير مباشر عن قصص حب وهمية لمعجبات يطاردنه.

الحكومات والدول كثيرا ما تلجأ إلى سلاح التسريبات، ومع كل تغيير وزاري يتم اختبار الأسماء المرشحة لحقائب الوزارات، وعندما يستشعر المسؤول أن هذا الاسم حقق درجة قبول معقولة يعلن اسمه، أما لو كانت ردود الفعل سلبية فسوف يؤكد أنها مجرد شائعات مغرضة.

التسريبات التي لعبتها مؤخرا كوريا الشمالية بالتهديد بضرب دور العرض الأميركية لو تجرأت وسمحت بتداول فيلم «المقابلة»، ولا تصدقوا أن أوباما على الجانب الآخر كان سيدخل في معركة نووية، ليوجه قذائفه إلى «بيونغ يانغ»، هي مجرد جعجعة بلا طحن، إنها لعبة يشارك فيها الجميع وكل يغني على ليلاه.

الجوال الذي بلغ عمره في العالم 30 عاما لا شك أنه جعل في كل يد كاميرا وميكرفونا متلصصا، تستطيع في لحظة لو أردت أن تصنع من الحبة قُبة، وكم من الحبات التافهة في ظل تفشي ظاهرة التسريبات تحولت إلى قُبات مروعة ومفزعة ومفجعة!