مصداقية بوش وبلير لا تصمد أمام التاريخ

TT

في 11 مارس (آذار) عام 1917 «حررت» بغداد على يد القوات البريطانية. واليوم، بعد 85 عاما من ذلك التاريخ، يتشدق الرئيس جورج ووكر بوش الرئيس الحالي للولايات المتحدة، الذي لم تضعه في منصبه الرفيع صناديق اقتراع الناخبين الاميركيين بل قرارات من المحكمة العليا لم تتخذ حتى بالاجماع، بعبارات «تحرير العراق» مستغبيا ملايين العرب وغير العرب الذين لا يزالون يعرفون على الاقل بعضا من التاريخ الاسود لـ«تحريرهم» من قبل الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية عبر القرنين الماضيين.

دخلت قوات الجنرال فردريك ستانلي مود الى بغداد في الحادي عشر من مارس 1917، واطلق مود حينذاك عبارته الشهيرة التي يعرفها كل تلاميذ الدراسة الثانوية ايام الملكية في العراق: «لقد جئنا محررين، ولم نأت فاتحين».

الجنرال مود

ورغم ان الجنرال مود هلك في نوفمبر(تشرين الثاني)، بعد اصابته بالكوليرا لدى شربه لحليب بقرة لم يغل، فان تمثاله ظل منتصبا في ساحة عامة مجاورة للسفارة البريطانية لمدة 41 عاما بعد «تحريره» بغداد.

وفي نفس العام «حرر» البريطانيون فلسطين واعلنوا للعالم نهاية الحرب الصليبية بعد «تحريرهم» القدس، واعلن بلفور وعده المشؤوم لوطن لليهود في فلسطين. وما أسهل ان يهب الأمير ما لا يملك! وظل «محررو» العراق يتحكمون بمقدراته حتى حلول يوم 14 يوليو 1958، الذي انهار فيه نظام نوري السعيد العميل، والملكية. وفي يوم الاثنين المجيد ذلك، تمرد الجيش العراقي على حكامه الذين حاولوا استخدامه أداة قمع ضد الشعوب العربية، وتحررها، وقصم ظهر حلف بغداد المشؤوم الذي كان يضم اضافة الى العراق، الدولة العربية الوحيدة فيه، كلا من بريطانيا واميركا وباكستان وايران وتركيا، والذي كان موجها ضد الشيوعية السوفياتية حينذاك، الا انه وجه بالاساس ضد المطامح المشروعة للعرب. هناك شكوك في مصداقية الرئيس الاميركي سواء في ما يخص «تحرير العراق» او مكافحة الارهاب. ويطل علينا الرئيس، الذي لم تعزز مواقعه في السلطة مواهبه الفذة، بل عززتها احداث 11 سبتمير(ايلول) 2001 الاجرامية، كل يوم بحديث لا يمكن وصفه الا بالممجوج، كي يروج لحربه المقبلة. وتبدو مصداقية الرئيس مهزوزة لانه هو نفس الرئيس الذي لم تكشف ادارته حتى الآن عن ابسط تفاصيل عمليات 11 سبتمبر الاجرامية: من خطط للعمليات، وكيف توصل الارهابيون الى تنفيذ عملهم الاجرامي ببساطة، في وقت اجمع فيه كل خبراء الأمن في العالم انه نفذ بعد اعوام من التخطيط المحكم؟

وتظل الاجابات الرسمية عمومية ومبهمة، فلم تعرض حتى الآن اي صور لمرور المختطفين عبر المطارات التي انطلقت منها الطائرات الانتحارية (سوى صورة لمحمد عطا زعم انها التقطت له في مطار بورتلاند متوجها نحو بوسطن، وهي المدينة التي انطلقت منها اولى الطائرات الانتحارية)، ولم يقدم اي مستند قانوني يربط بين العمليات والمجرمين المفترضين. وقال الاميركيون مرارا انهم لم يجدوا اي خيط يربط بين افغانستان وبين العمليات. والحال ان كل ما قدم من دلائل حتى الآن، هو شرائط لأسامة بن لادن اكد الاميركيون ان اكثرها حقيقي في حين قال خبراء اوروبيون ان واحدا من التسجيلات، التي اعتبرها الاميركيون «حقيقية»، كان مزيفا.

قبل حوالي 14 قرنا كان جامعو الاحاديث النبوية يجوبون ربوع الاسلام وبواديه، للتأكد من صحة اقوال النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك ـ وهذا هو الأهم ـ من حسن سيرة ناقليها. ولذلك لا يعتمد المسلمون الا على حديث نبوي مسند، ويشيرون الى ضعف كل ما سواه. والآن يريد الاميركيون والبريطانيون منا نحن العرب والمسلمين ان نصدق كل ما يقولونه من دون ايراد حجة موثوقة عن الاصابع الخفية وراء احداث 11 سبتمبر 2001، سوى ما قاله «ابو زبيدة» او «بن الشيبة». ولا حاجة للتذكير بأقوال «ابو غيث» الذي خرج علينا آخر مرة ليقول ان «القاعدة» ستحارب في فلسطين!

هل نستطيع ان نصدق رئيسا مثل جورج بوش، يتلو صلواته كل يوم بينما تبطش اسلحته بالفلسطينيين والعراقيين، او توني بلير رئيس الوزراء البريطاني، الذي يصلي يوميا كذلك، بعد ان اشارت حتى صحف اليمين البريطاني التي لا تدعم الحقوق العربية المشروعة، الى التفافه على الحقائق ومراوغته في ما يخص العراق؟

لا حدود للعنجهية الاميركية والانجلوساكسونية، ولا حدود لأكاذيبها. انها تستعد لتنفيذ اولى ضرباتها الوقائية لتفرض هيمنتها على العالم. وبعد ان اسقطت القوات الاميركية مئات الاطنان من قذائف اليورانيوم الناضب على جنوب العراق وصحراء الكويت والسعودية، فانها تتأهب اليوم بحجة الدفاع عن حرية الشعب الاميركي الذي تسلبه الادارة حقوقه تدريجيا بحجة محاربة الارهاب، لقصف العراق بقنابل نووية.