القمة العربية بين الإيجابية الصعبة والسلبية الأصعب

TT

هل كانت الشعوب العربية تنتظر، حقا، من القمة العربية الاخيرة تحقيق كل امانيها؟

وما هي بالضبط اماني الشعوب؟ عربية كانت ام غربية ام آسيوية ام افريقية؟ ومن يعبر، حقيقة، عن اماني الشعوب في عصرنا: الجماهير او الشارع والمظاهرات؟

ام الاحزاب والجماعات السياسية المنظمة التي تحرك الشارع؟ ام هم الطلاب والنقابات؟ ام هي وسائل الاعلام ولا سيما المرئية المسموعة الضائعة بين رغبتها في كسب اكبر عدد من القراء والمشاهدين لتحقيق اكبر كمية من الاعلانات وبين خدمة مصالح مالكيها؟

خلافا للمعلقين، الذين تباروا في انتقاد مقررات القمة و«لم يرحموا» الحكام في احكامهم، يرى البعض ان ما توصلت اليه القمة العربية الاخيرة هو افضل ما يمكن الاتفاق عليه، واستبعاد ما يصعب ـ او يستحيل ـ الاتفاق عليه. لقد شهدت القمة عدة مواقف واقتراحات جريئة من شأنها ان تلقى ترحيبا شعبيا عربيا بها، او الى التأثير على القرار الاميركي بالحرب. ولكنها لم تحظ باجماع المؤتمرين لإقرارها. فوراء الانقسامات والنزاعات والخلافات التي حولت دول الجامعة العربية الى اثنين وعشرين حزبا، تاريخ من الخلافات والنزاعات طويل، وليس من السهل محو ستين سنة من الخلافات، فجأة، ودخول شهر عسل قومي عربي.

كلا، يجب ان لا نخدع انفسنا ولا العالم، مؤملين في موقف عربي «قومي» واحد، من اي من القضايا الكبيرة التي يرتبط بها مصير الامة العربية، سواء بقيت الانظمة الحاكمة اليوم في الحكم، ام حلت محلها انظمة جديدة، من النوع الذي يحلم به الاصوليون الراديكاليون الاسلاميون، ام تنادي به الادارة الاميركية، وتصفه بالديموقراطي.

فالعناوين والشعارات والدساتير والعقائد لا تصنع الديموقراطية، ولن تعيد الى الامة العربية حكم الخلفاء الراشدين. وان الشعوب التي ما زالت تقاتل بعضها البعض بسبب نزاعات حدثت منذ الف واربعمائة سنة، وتتحكم في تفكيرها العشائرية والقبلية والطائفية والمذهبية والاقليمية والوطنية والقومية والعرقية، يصعب عليها العثور على طريق خلاصها او توحيد كلمتها او اختيار مصيرها، بل واقناع دول وشعوب العالم، بشرعية حقوقها وايجابية مطالبها. ان مستقبل الامة العربية لن يتقرر خارج المجتمع الدولي او ضده، او عكس مجرى التاريخ والتطور العالمي وباتجاه التعاون والتضامن بين كل شعوب الارض.

ولا يفهم من ذلك ان على الدول والشعوب العربية والاسلامية ان تسلم بعجزها او ان تستسلم للجموحين الاميركي والاسرائيلي، او تنقاد طائعة او ملزمة وراء المشروع الاميركي لمهاجمة العراق واحتلاله. بل بالعكس، فالمطلوب هو العثور على الحل او المشروع او الصيغة التي تساعد الدول والشعوب العربية والاسلامية على الصمود الحقيقي في وجه المخططات الاميركية ـ الاسرائيلية، بل والتغلب عليها. وهو حتما ليس بالمشروع الذي يدعو اليه بن لادن والقاعدة وطالبان وصدام حسين، وغيرهم ، ولا ذلك الذي يطبخ في مراكز التفكير والتخطيط الاميركية ـ الاسرائيلية المشتركة. الا انه لا بد من التوقف قليلا والتنويه بموقفين مميزين في هذه القمة، وهما الموقف السوري والموقف السعودي. فالموقفان، من حيث المبدأ والواقعية، مميزان. وهما مكملان لبعضهما البعض خلافا لما خيل للبعض. واذا كان الموقف السوري صحيحا وصلبا في رفضه للأمر الواقع ولاستفراد الولايات المتحدة للدول العربية، الواحدة تلو الاخرى، فان الموقف او المشروع السعودي الداعي الى الاصلاح الذاتي والتغيير، جاء مكملا لمبادرة الامير عبد الله التي اقرتها قمة بيروت وقدمت حلا عمليا للقضية الفلسطينية في اطار الشرعية الدولية. وان ارجاء طرح المشروع السعودي الى القمة العربية القادمة كان مؤسفا، لأن بداية طريق خلاص الامة العربية، او نهضتها، او دخولها الى مسرح العصر والعالم والتاريخ المعاصر، انما يبدأ بإجراء نقد ذاتي صريح وعميق للحالة العربية وللعلاقات العربية وللمشاكل العربية، وللأخطاء العربية. فقد يكون في العالم او في الغرب من لا يريد الخير للعرب والمسلمين، او يخشى على مصالحه من نهضتهم، ولكننا، نحن، العرب، من اتاح له فرص اختراق صفوفنا وشل اراداتنا واستغلال خلافاتنا.

يوما بعد يوم، ترتفع في كل انحاء العالم، اصوات المعارضين للحرب. وايا كانت الاسباب، فإن هذه المعارضة الدولية للحرب، لا بد ان تؤثر على الموقف او القرار الاميركي. ولا يستبعد البعض تغييرا في التكتيك العسكري الاميركي، للاطاحة بنظام صدام حسين، دون الاشتباك في قتال مع القوات العراقية او احتلال العراق بكامله عسكريا. ولكن تلافي وقوع الحرب، وان كان على الصعيد الانساني والسياسي العربي مكسب وانتصار عربي، فإن النصر ـ والابتهاج ـ الحقيقي هو عندما يتخلص العالم العربي من حكام دكتاتوريين امثال صدام حسين، ويوم تكتشف الولايات المتحدة خطر الهيمنة اليهودية ـ الاسرائيلية الفكرية والسياسية على مراكز القرار فيها. يوم يدخل العرب والمسلمون، دون التخلي عن قيمهم وثقافتهم وحقوقهم، العصر والمجتمع الدولي، كشركاء، لا كضحايا او كأعداء.