لعبة الوقت

TT

انتم تشاهدون الصور الأخيرة لما يسمى بالحكومة العراقية، وهي، بكل اسف، ليست منظرا يسر أحدا، سواء المؤيدون لها او الذين يجلسون على الحياد، ناهيك من الذين يختلفون معها.

هذه الصور الاخيرة تبدو فيها الحكومة متخبطة، تارة ودودة، وأخرى متوحشة. مرة تحث على التعاون ومرة تسعى للاشتباك لأتفه الاسباب، وهذا يعبر عن طبيعة الارتباك الواضح في سلوكها في عهدها الأخير. وبخروجها من الساحة، حربا او تنازلا، ستنتهي واحدة من اعنف المؤسسات السياسية والامنية الحاكمة في العالم العربي، تلك التي صبغت المنطقة بتصرفات تركت بصماتها وثقافتها على مناح عديدة.

الارتباك ليس مستنكرا على دولة توجه الى رأسها اكبر البنادق في العالم، وتشعر انها عاجزة عن فعل اي شيء لصد الحرب عليها الا ببعض المماطلات في استراتيجية هزيلة اسمها لعبة الوقت. ولعبة الوقت لم تفد العراق الذي لعبها مرتين من قبل وخسر، ولن تعالج جلل اليوم. جرب لعبة المماطلة بعد دخول القوات المحتلة الكويت، حيث وعد النظام بأنه سيسحبها، ثم وزع صورا تظهر سحب بعض قطاعاته، لكن لم يصدق احد رواياته بدليل استمرار الوجود العراقي في كل شبر من المدينة. وطال امد المحاولات خمسة اشهر، وكثر سعاة الخير ووسطاء السلام، واعتقدت بغداد انها افلتت من الحرب وانها مقيمة في الكويت اقامة عسيب وهي ترى عقارب الساعة تمر سريعا بلا حرب. وفي السابع عشر من يناير عام 1991 كان المدفع يدق ساعته. وانتهت المعركة سريعا.

عادت بغداد الى استراتيجية لعبة الوقت في التخلص من التزاماتها في الاتفاقية التي وقعتها في خيمة صفوان في اعقاب الهزيمة، وهي الاتفاقية التي تضمنت مجموعة من الالتزامات شملت انسحابات، واطلاق سراح الاسرى، واعادة المسروقات، وتقديم تعويضات، وتخطيط الحدود وتوثيقها، وفوق هذا وذاك تدمير اسلحة جرثومية وكيماوية وذات الابعاد التي لا نفع لها في الحروب الدفاعية. وبكل اسف لم ينفذ العراق من تلك الاتفاقيات سوى تحديد الحدود التي فرضت قسرا، اما البقية فقد اتكل المسؤولون في بغداد على مطالعة الساعة، وهم يختلقون عذرا بعد آخر، يعتقدون واهمين انهم مع الوقت سيحتفظون بكل ما التزموا بالتخلص منه.

لعبة الوقت لم تفد العراق في يوم ما، وهنا اعيد القراء الى مقالة سابقة نشرتها قبل اكثر من شهرين تعرضت فيها لجزئية في مقابلة يتيمة منحها الرئيس العراقي لصحيفة «الاسبوع العربي» المصرية وتحدث فيها عن استراتيجية الوقت، قائلا ان المهم هو كسب الوقت، او بعبارة ادق تضييع الوقت. وبالفعل خلال الشهرين الماضيين جرجرت الاجهزة العراقية اقدامها في كل موضوع تعتقد انها من خلاله تكسب الوقت، في التفتيش والمفاوضات ومجلس الامن، معتقدة انها ستعطل آلة الحرب، ولكن يا لها من لعبة بليدة.

كان بامكان الحكومة العراقية اعتماد لعبة الوضوح والتعامل مع الوضع الدولي كما هو، راضية بنزع اسلحتها واطلاق سراح المأسورين واستكمال ما تبقى من قرارات ملزمة، وبالتالي العيش كدولة عادية مسالمة.

لعبة الوقت اثبتت انها مثل ساعة الرمل، مهما بدت طويلة فانها سريعا ما تنفد حباتها.