من أجل الشعب.. لا النظام

TT

يستطيع المرء ان يتفهم الجدل الذي اندلع في القمة العربية، ثم في القمة الاسلامية، حول كيفية معالجة الازمة العراقية ودرء مخاطر الحرب عن العراق وعن المنطقة. ويستطيع المرء ايضا ان يتفهم ـ الى حد ما ـ الخلاف حول المبادرة الاماراتية لتنحي القيادة العراقية بضمانات، وايجاد دور عربي ودولي في عملية الاشراف على العراق في الفترة الانتقالية، وبذلك إبعاد شبح الحرب والخراب عن الشعب العراقي الذي عانى ويلات الحروب لاكثر من عقدين، وذاق مرارة العقوبات وقسوتها لاكثر من عقد.

الذين عارضوا المبادرة الاماراتية تمسكوا بان تغيير القيادة العراقية شأن عراقي، وان الانغماس في الشؤون الداخلية لبلد عربي امر ترفضه المواثيق العربية. وذهب بعض المعارضين ابعد من ذلك عندما قالوا همسا، او صراخا، ان هذا الطرح اميركي ودمغوه بنعت «الخيانة».

في الجانب الآخر، رأى مؤيدو المبادرة انها طرح عقلاني يسعى لتجنيب العراق مأساة حرب خاسرة، ويأمل تجنيب المنطقة تداعيات ستكون خطيرة بكل المقاييس. كما اعتبر هؤلاء ان المبادرة توجد مخرجا للقيادة العراقية وترمي لها بطوق نجاة بضمانات دولية.

وفي خضم الجدل ضاعت المبادرة، وشعرت الامارات بخيبة شديدة لانها، على حد تعبير وزير الاعلام الشيخ عبد الله بن زايد، طرحت هذا الامر من خلال المشاورات قبل القمة، ووجدت تأييدا من بعض الدول، ثم وجدت نفسها وحيدة خلال القمة. كذلك ابدت الامارات مرارة من عدم اتاحة الفرصة لمناقشة مبادرتها، ووجهت في ذلك نقدا مباشرا الى الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، لتسجل بذلك ثاني انتقاد لادارة الاجتماعات العربية بعد الانتقاد الذي وجهته الكويت للبنان في اجتماعات وزراء الخارجية العرب.

من حق الامارات ان تشعر بالاحباط لان مبادرتها الشجاعة كانت تستحق اكثر من ذلك، وكانت تستأهل نقاشا جادا.. حاميا لا يهم، بل المهم ان يكون نقاشا جادا في مواجهة ازمة خطيرة متسارعة. فالامارات طرحت في العلن ما يردده كثيرون في الخفاء، وعرضت مخرجا ربما يشكل الفرصة الاخيرة لانقاذ العراق وتجنيب شعبه مخاطر حرب شرسة تدق على الابواب، وتفادي مواجهة خاسرة حتما لان معايير القوة فيها غير متكافئة. والحكمة في مثل هذا الوضع هي في تجنب الخسارة والكارثة، والشجاعة هي في اتخاذ القرار الذي يتفادى المأساة لا في الخيار الانتحاري.

والمبادرة الموءودة تهدف لانقاذ الشعب العراقي بشكل اساسي وتجنيب البلد والمنطقة مخاطر الحرب، ومن هذا المنظور فان المبادرة كانت اجدر بالتأييد، وأحق بالمناقشة من غيرها من الطروحات الانشائية والمواقف العنترية التي ستقود العراق نحو الكارثة بدلا من مساعدته على تجنبها.

والقيادة العراقية اذا غادرت السلطة فلن تكون الوحيدة التي تفعل ذلك في مواجهة معركة خاسرة او لتجنيب ما هو اسوأ. فشاه ايران الراحل محمد رضا بهلوي غادر بلاده في ربع الساعة الاخير، وعيدي امين خرج من اوغندا ليعيش في السعودية، ومنغستو هيلامريام خرج من اثيوبيا الى زيمبابوي.

واذا كان الوضع العراقي مختلفا في شيء، فهو في كونه اخطر، اضافة الى ان معركته ستكون اشرس وخسائرها افدح.

ان السلطة ليست هدفا في حد ذاتها، بل وسيلة لغاية يفترض ان تكون خدمة الشعوب واسعادها والعمل لمصلحتها وامنها واستقرارها. والشجاعة والحكمة اليوم تقتضي العمل لتجنيب الشعب العراقي مخاطر الحرب الآتية.. مهما غلا الثمن.