أحبابنا أصحاب المعالي

TT

معظم اصحابنا صاروا وزراء في سورية والعراق والاردن وتونس والمغرب والبحرين والامارات ولا نعرف في هذه اللحظة التاريخية المجيدة من عمر امتنا هل نحسدهم ام تراهم احبابنا يحسدوننا؟

هم تسير بهم «الاتوموبيلات» وامامها «الموتورات» ويضحكون ضحكات خفيفة كأنهم يختلسونها، من خزانة الدولة خفية ونحن نفتح اشداقنا على مداها علنا حتى حين تتأخر الحافلة او القطار، ونأمل في لحظة بعينها ان يمروا امامنا من اجل توصيلة تقتضيها الصداقة، لكنهم لا يفعلونها وليس قصدا طبعا، فنحن يوما بالمكسيك والثاني في الهند والرابع في جواتيمالا او نيبال وتلك بلاد لا يدخلونها الا بجواز دبلوماسي وإذن رسمي، ولو شاهدونا هناك صدفة فسيضطرون للتظاهر بانهم لم يرونا كي لا يعود المخبر الذي خلفهم ويشي لمن هو فوقهم بتصرفاتهم غير المنضبطة.

وطبعا سنفهم، فالسيد الوزير امامه مسؤوليات جسام أقلها الحفاظ على المنصب (هل هناك شيء آخر..) وفي سبيل ذلك لا مجال للحب ولا للجيران ولا للصداقة، فكل شيء مرصود ومعدود وغلطة واحدة تطيح بصاحب المعالي الذي نريده ان يظل وزيرا حتى نرتاح منه لأنهم ما ان يصرفونه من الوزارة حتى يلجأ الينا، وكله حزن على شبابه الضائع ليس معنا في مدرجات الجامعة طبعا، بل على درج المسؤولية الحكومية.

واحد من هؤلاء قال لنا قبل ان يتم صرفه لأنه لا ينصرف حتى في اقسى قواعد ابن عصفور الصرفية انه يشتاق الى جلسة دون نفاق، وقلنا ما المانع..؟ لا تخطب، فقال محتجا وهو يذكرنا بما درسناه معاً: كيف وأولى مظاهر السلطة العربية الخطابة والكتابة.

فعلا عنده حق صديقنا الوزير، فالسلطة العربية خطابة وكتابة، وحين يبالغ المنافقون في المديح يضيفون اليهما الشجاعة في ساحة الوغى والغي ويطلقون على الوزير اللوذعي صاحب الصناعتين ولا يقصدون بهما ـ بالاذن من قدامة بن جعفر والجرجاني النثر والشعر، بل الحرب والانشاء وكأن هناك علاقة لا تنفصم عراها بين الدم والحبر بكل الوانه.

ولقب «ذي الرئاستين» من هذا المعجم السلطوي العربي الذي اعطى الوزراء سلطة بلاغية وترك القوة الفعلية بيد قادة الجيوش والجحافل، وأولئك الذين يحملون ألقاب عضد الدولة وسند الدولة ومعز الدولة، فالرئاسة الادبية مهما علت رئاسة ارشيف وسجلات مالية، يعني يرتب الاخ الوزير المدني ان كان برئاستين او ثلاث او اربع، دفع رواتب الجنود والموظفين او يجلس على الخازوق والحديد المحمي في عز الظهيرة حتى وإن كان بمرتبة خليفة كما حصل مع المتوكل الذي سأل منجمه ومهرجه: كم تظنون ابقى في الخلافة؟ فسكت المنجم وقال المهرج دون ذرة تهريج: تبقى ما شاء لك الاتراك ان تبقى.

وكان الاتراك وقتها في سامراء مثل بريمر في بغداد لا ترد لهم كلمة، خصوصا في مسائل الاستثمارات التي يجب ان تظل لهم ولاتباعهم وصدق المهرج، فحين عجز وزراء المتوكل عن دفع رواتب العسكر أتى قادتهم واخرجوه في عز ظهيرة صيف العراق، الى الشمس وجعلوا يعذبونه وهو يرفع رجلا ويضع اخرى الى ان نفق والدم يسيل على كل جزء من جسمه من جراء وخز حرابهم لجسد الخليفة الناعم المرفه. ويا اصحابنا الوزراء في بغداد وغيرها ماذا تفعلون حتى لو كنتم بوزن هوشيار الذي يطلقون عليه اسم «هوش» تيمنا ببوش، فأنتم «في النهاية» اوراق للاستهلاك المؤقت، وكان من الافضل لكم ان تظلوا معنا على الارصفة، حيث الحرية الحقيقية والسلطة الفعلية للسيطرة بأناقة على حب الحياة البسيطة الرائعة الشفافة، وهذه كما كنتم تعرفون قبل التورط لا يستطيع ان ينزعها منكم احد الا اذا افلستم بالكامل او طمعتم في السكرتيرة والسائق والحارس وبقية مظاهر الوجاهة.