الجائزة

TT

قبل شهرين ونصف الشهر وزع «نادي دبي للصحافة» جوائزه السنوية للصحافة العربية في مختلف الحقول. وبعد حفل التوزيع صدرت في صحف الإمارات ومجلاتها سلسلة من المقالات التي يكاد يكون عنوانها واحدا: أين هي جوائز الصحافيين الإماراتيين؟ لماذا أهملوا؟ وهل يعقل أن أحدا منهم لا يستحق أي جائزة في أي حقل؟ تحاشيت التعليق يومها على «الحملة» العفوية، لأنني أدرك مدى الحساسيات في هذه القضايا. والحال أن الجائزة التي تقدمها دبي هي جائزة «عربية» لا محلية. وليس من ضرر ولا من ضر في إنشاء جائزة إماراتية، يكرم بها المستحقون، ولكن الصحافة، مثل الفنون، لا تعرف هوية ولا جنسية ولا رتبة، والصحافة، مثل الرسم والموسيقى، ليست في حاجة إلى جائزة لكي تشهر صاحبها والميكروفون عادة، أو الحائزون على شهادة تقديرية، تسبقهم سنواتهم وأعمالهم، وليس في ذلك إهانة للناشئين أو للذين لم تتجمع أعمالهم بعد. لقد كُرِّم غسان تويني لأن خلفه نحو 70 عاما في قمة الهرم، أمضاها كلها في صحيفته التي أسسها والده. في حين أن «الخليج» أقدم صحف الإمارات، احتفلت منذ فترة قصيرة بثلاثين عاما على إصدارها.

ولا تزيد ستة عقود شيئا في أحقية غسان تويني ولا تقلل من أحقية «الخليج». ولكن المقياس هنا ليس الجنسية ولا السنوات. وأهمية الجوائز التي توزعها دبي ان مقاييسها وأحكامها لا تخضع لأولويات الهوية بل لأولويات الاستحقاق. واللجان التي تنظر في المواد المشاركة في الجوائز، تضم كل واحدة منها، عضوا كفيا من الإمارات. والسيدات اللاتي يرتبن المواد ويحققن فيها ويقمن بتوزيعها على المحكمين، جميعهن إماراتيات برئاسة منى المرى، التي لا أعتقد أنها أقل حماسا من سواها لفوز مواطن من مواطنيها. أو مواطنة. ولم يغفل النادي تقديم أقصى واجبات التكريم للراحل تريم عمران. ولا أغفل ترئيس الأكاديميين الإماراتيين على الجلسات والحلقات التي يعقدها المنتدى كل عام على هامش توزيع الجوائز.

هناك نوعان من الجوائز: «نوبل» التي آخر من ينالها السويديون، و«غونكور» التي تعطى للفرنسيين أو الكاتبين بالفرنسية. والهدف من جائزة دبي، على ما أعتقد، هي التشديد على صورتها العربية وطبيعتها التعددية. وإذا حصرت الجائزة بالمواطنين، مهما كثر عدد المستحقين، فسوف تخسر طابعها العربي الذي يحول المدينة كل عام إلى ملتقى عالمي. لقد عدد أحد الزملاء أسماء الصحافيين والصحافيات الإماراتيين الذين يرشحهم للجوائز أو للتقدير.

وبين هؤلاء عدد من الأسماء التي أقرأها شخصيا بتقدير، لكن لم يخطر لي في أي لحظة وأنا أقرأ هؤلاء أن أسأل إن كانوا من الشارقة أم من عجمان أم من أبوظبي. لقد مارس اللبنانيون في الحرب «الذبح على الهوية» أما القراءة على الهوية فأمر مستحيل. وذات مرحلة كانت ألمع أسماء في بيروت هي نزار قباني وأدونيس ومحمود درويش ومحمد الماغوط وبدر شاكر السياب وغادة السمان. ولم يكن بينهم من يحمل الجنسية اللبنانية إذا أوقف على حاجز الدرك. ليس للإبداع جنسية.