أغنام.. أم قنبلة ديمغرافية؟

TT

يبدو ان الحملة الدعائية التلفزيونية الحكومية الأردنية لتوعية الناس بضرورة تحديد النسل، اصطدمت بتعارضها مع اذواق المتلقين لها بسبب استخدام رسوم كرتونية لكبش ونعجة يتحدثان مع بعضهما عن فوائد تحديد النسل، وهو ما دعا أحد الأحزاب الى استنكار هذا الاسلوب باعتباره تحقيرا للمجتمع والمرأة.

من جانبهم اعترض الاسلاميون هناك على لسان أمين جبهة العمل الاسلامي على فكرة تحديد النسل كلها ووضعها في خانة المؤامرة الصهيونية التي تسعى للحد من تأثير ما وصفه بالقنبلة الديمغرافية العربية والاسلامية التي تخيف اسرائيل.

وقد يكون للحزب الذي اعترض على استخدام الاغنام والخراف كاسلوب في حملة تلفزيونية واصدر بيانا تحت عنوان ماع ماع، اسبابه التي تتعلق بثقافة وتقاليد المجتمع من زاوية تشبيه الناس بالخراف، وان كان هذا الاسلوبُ مستخدما في الكثير من دول العالم بغرض جعل الاعلان جذاباً او طريفاً اكثر تبسيطاً، لأن الرسالة التي تحمل جانب الطرافة تصل الى الناس بشكل اسرع من ان يظهر مذيع متجهم يقرأ للناس بياناً يستحثهم على انجاب عدد اقل من الاطفال.

اما حكاية القنبلة الديمغرافية، فهي التي تحتاج الى مناقشة، لأن اعتبار كثرة التوالد سلاحا في حد ذاته فيه مغالطة من جانب، ومن جانب آخر فيه تقليل من شأن الناس والمرأة وترسيخ لفكرة الخراف والأرانب.

وقد ثبت ان معايير القوة والتقدم للامم ليست في العدد ولكن في قيمة الفرد نفسه من ناحية التعليم والاعداد والتأهيل ومستوى المعيشة والشعور بأن لديه مستقبلاً، بدليل أن معظم الامم الفقيرة التي تعيش اضطرابات، ويسودها اليأس هي التي تنمو سكانياً بما يفوق قدراتها وامكانياتها، وينتج الفقر فيها المزيد من الفقر والتخلف.

كما ثبت أن مسألة تحديد النسل حسب الامكانيات ترتبط بشكل كبير بارتفاع مستوى التعليم والرفاهية و مستوى المعيشة، واحد الحقائق الثابتة ان الأسر التي تتمتع بمستوى معيشة مرتفع، تنجب اطفالا اقل من الأسر الفقيرة. ولذلك فإن برامج التوعية تستهدف اساساً الفئة الثانية، لأن محاولة صعود السلم الاجتماعي تحتاج الى ان يتلقى الجيل الثاني تعليماً ومستوى معيشة افضل.

وبالقطع فإن اصحاب نظرية القنبلة الديمغرافية يدركون هذه الحقائق ويعرفون أن زيادة العدد لن تمنحهم القدرة على غزو العالم او تغيير موازينه والا لكانت بنغلاديش سيطرت على أوروبا.

لكنهم يعرفون أن كثرة العدد مع الجهل والفقر تسهل لهم السيطرة على عقول الناس، بينما لو حصل هؤلاء على فرص تعليم افضل وأمل في حياة احسن ستكون السيطرة عليهم اكثر.