الشعراء في إخوانياتهم

TT

قلما حظي اديب ومفكر عربي بالحظوة التي تمتع بها عميد الادب العربي طه حسين، رغم المطب الذي وقع فيه في اوائل حياته الفكرية بعد كتابه عن الشعر الجاهلي، الذي جر به على نفسه غضب السلفيين والمحافظين. قرأنا الكثير شعرا ونثرا مما قيل في الاشادة به، في تكريمه وفي رثائه. بيد انني لم اجد ما هو ألطف وأظرف في هذا الخصوص من الابيات الزجلية التي سمعها احتفاء به عند زيارته للبنان.

يقول نجيب البعيني في كتابه الانيس «طرائف الشعراء في مجالس الادباء» ان الدكتور طه حسين قد سمع بالطريقة التي يرتجل بها شعراء العامية في لبنان ازجالهم في مساجلاتهم الشعرية، فعبر عن رغبته في سماع شيء منها. وكانت فرصة مواتية ان دعوه الى حفلة من حفلات «شحرور الوادي» التي اعتاد اهل بيروت على الاستمتاع بطرائفها.

دخل عميد الادب العربي بطربوشه الاحمر الطويل ونظارته السوداء التي اصبحت العلامة الفارقة للاديب المكفوف او قل الاديب البصير، انتبه احد الحاضرين الى دخوله وجلوسه في زاوية من القاعة، فنادى مرحبا به وقال:

ـ «اهلا وسهلا بطه حسين».

سمع ذلك شحرور الوادي فمسك بالمبادرة الزجلية فأضاف وقال:

اهلا وسهلا بطه حسين

ربي اعطاني عينين

العين الواحدة بتكفيني

خذ لك عين وخلي عين

ضجت القاعة بالاستحسان والتصفيق وانطلق الجمع من الحاضرين يرددون في نغمة واحدة: «خذ لك عين وخلي عين». وكان اثناء ذلك قد تنحنح الشاعر علي الحاج، الشاعر الثاني في الفرقة، ليفسحوا له المجال، فانطلق منشدا:

اهلا وسهلا بطه حسين

بيلزم لك عينين اتنين

تكرم شحرور الوادي

منه عين ومني عين

جاء دور الشاعر الثالث من الفرقة، انيس روحانا، فرفع صوته وانشد قائلا:

لا تقبل يا طه حسين

من كل واحد تأخذ عين

بقدم لك جوز عيوني

هدية، لا قرضة ولا دين

استدرك الشاعر الرابع في الفرقة، طانيوس عبده، فصحح زملاءه قائلا:

ما بيلزم له طه حسين

عين، ولا اكثر من عين

الله اختصه بعين العقل

بيقشع فيها عالميلين

www.kishtainiat.com