الأمير مساعد بن أحمد السديري في ذمة الله (1918 ـ 2005)

TT

لم أسعد يوماً بمعايشته عن قرب كما عرفت بعض اخوانه، لكنني حظيت من خلال ذويه بفرص عرفتني عنه، كما لو كنت عشت زمناً إلى جواره مثلهم، فلقد رأيت منازله، وزرت مراتعه، واطلعت على تفكيره ومواقفه، ثم قرأت إنتاجه وسمعت قصصه، وعرفت أخباره وهواياته من خلال «ربعه» وجلسائه.

إن قراءة متأنية في تاريخ هذا الانسان، النبيل في خلقه، الرقيق في تعامله، العاطفي في إنسانيته، قد لا تختلف كثيراً عن سيرة أبناء جيله الذين ظهروا إلى هذه الدنيا في أوج توحيد المملكة العربية السعودية وتأسيسها، فلقد ولد في مدينة الغاط سنة 1918، ويأتي ترتيبه الخامس، على ما أظن بين أبناء أحمد السديري (جد الملك فهد وأشقائه الستة، وأخيهم الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وأخواتهم).

قد لا يتسع المقام للحديث عن والده (أحمد) الذي توفي عام 1934، وكان قد ساند جهود الملك عبد العزيز في توحيد المملكة العربية السعودية وتوطيد الامن والاستقرار فيها، أو عن اخوته الستة، الذين تبوأوا مراكز سياسية وإدارية مهمة، حكاماً إداريين لبعض مناطق المملكة، وهم تركي وعبد العزيز ومحمد وعبد الرحمن ومساعد (موضوع هذا المقال) وسليمان وبندر، إذ ان الحديث عن هذه الاسرة، يتطلب سفراً من الكتابة، ذلك أنها ـ أي أسرتهم ـ قد ناصرت أسرة آل سعود منذ دولتهم الثانية (في القرن التاسع) وقبل في الدولة الاولى (إبان القرن الثامن عشر).

وقد كان لجدهم (أحمد الأول) المتوفى عام (1858) دور كبير في وصول النفوذ السعودي الى ساحل عمان ومنطقة الخليج كافة عام (1814)، وهو كما هو معروف ـ جد الملك عبد العزيز لوالدته (سارة بنت احمد السديري).

والواقع أن جوانب من تاريخ هذه الأسرة، ودورها السياسي والإداري، وتحقيق بدايات علاقاتها الأسرية والسياسية المبكرة بالعائلة المالكة ما تزال مجهولة، لكن جهة بحثية سعودية مرموقة تعكف على إعداد دراسة توثيقية عن تلك المرحلة وتلك الصلات، تجيب على تلك التساؤلات، وتسلط الضوء على ما خفي من معلوماتها.

إن جل أبناء احمد السديري، ومن بينهم المرحوم مساعد، هم شعراء مجيدون، معظمهم بالشعر النبطي، لكنهم يتفاوتون في درجة شاعريتهم، وإن كنت أظن أن شعر محمد بن أحمد السديري هو الأكثر تميزاً بينهم، أما شعر الأمير مساعد، فلا أعرف أنه قد جمع بعد.

وبوفاة الأمير مساعد يوم أمس، يكون قد تبقَّى من أبناء أحمد السديري الأمير عبد الرحمن، الذي ـ شفاه الله ـ ظل حاكماً إدارياً على منطقة الجوف المتاخمة للحدود مع الاردن مدة خمسين عاماً، وقد حكم عليه القدر أن يبقى تحت الأجهزة الطبية منذ أزمة احتلال الكويت (1991) وحتى اليوم في غيبوبة مستمرة.

أما الأمير مساعد، رحمه الله، فقد ولد في محافظة الغاط، وهي موطن أسرة السديري منذ ما يزيد على مائتي عام، وتعلم في كتاتيب البلدة في محيط كان منهمكاً مع الأسرة المالكة السعودية في جهود عسكرية وتنموية متواصلة لبناء الكيان السعودي، ولهذا فإنه لم يتمكن من الحصول على قدر من التعليم الحديث، ذلك أن المدارس النظامية لم تفتح في اقليم نجد ـ وسط شبه الجزيرة العربية ـ الا في منتصف الثلاثينيات الميلادية، لكنه كإخوانه عوض ذلك بتلقِّي بعض الدروس الخصوصية، وبحضور حلق العلوم الشرعية، والالتحاق بالكتاتيب، وبتطوير وتثقيف نفسه بنفسه ذاتياً. صار أميراً لمنطقة جازان الحدودية المتاخمة لليمن مدة تسع سنوات، (بدأت منتصف الاربعينيات) ثم أصبح أميراً على منطقة تبوك المجاورة للاردن مدة قاربت تسعة عشر عاماً (منتصف الخمسينيات) ثم مارس العمل الدبلوماسي سفيراً في اليمن لمدة خمس سنوات (مطلع السبعينيات) قرر بعدها أن يرتاح متنقلاً بين الطائف والرياض ومسقط رأسه (الغاط)، يهتم بأسرته، ويتسلى بمزرعته (المساعدية) الشهيرة هناك.

* عضو مجلس الشورى السعودي