كردستان العراق: هموم البناء والإعمار

TT

كردستان العراق منطقة استراتيجية وجيوبولوتيكية بالغة الاهمية نظرا لانها تحتوي على المعادن الثمينة والمواد الاولية الباهظة الاسعار، كالنفط والحديد واليورانيوم والذهب والفحم الحجري والكبريت والاحجار الكريمة، اضافة الى انها تعد منطقة تمركز المصالح الحيوية في المنطقة.

لكن نتيجة السياسات التي اتبعتها الحكومات العراقية المتعاقبة خلال اكثر من ثلاثة عقود، تعرضت قرى كردستان العراق (العمود الفقري لاقتصاد كردستان) لعمليات تدمير وحرق وترحيل شاملة، مما ادى الى انفصال عرى الحياة الطبيعية والاعتيادية فيها، حيث دمرت خلال الثمانينات 4500 قرية من مجموع 5000 قرية كردستانية وتم ترحيل سكانها الى المدن والمجمعات السكانية القسرية التي اقامها النظام العراقي، وكان النظام العراقي يهدف من وراء ذلك الى تحقيق هدفين اساسيين هما:

اولا: تعد المناطق الريفية الدعم والسند المادي والمعنوي للحركة الكردية، لذا فان تدمير تلك القرى هو بمثابة ضربة لوجستية للثورة الكردية، كما ان جمع القرويين الكرد في مجمعات قسرية يؤدي الى ان يكونوا تحت سيطرة ومراقبة السلطة اكثر مما لو كانوا في القرى الحدودية النائية.

ثانيا: تعتمد المناطق الريفية في كردستان على الاقتصاد الذاتي، اما عن طريق الزراعة، او تربية الحيوانات، اي انهم يمارسون سياسة الاكتفاء الذاتي، بحيث ينتجون على الاقل بقدر سد حاجاتهم المعيشية الاساسية، لكن عندما يهجرون الى المجمعات القسرية فلا يجدون عملا ولا معيشة، وبذلك يتحولون من مجتمع منتج وشبه مكتف ذاتيا الى مجتمع استهلاكي تابع ومعتمد على السلطة في معيشته، وهذا كان الهدف الاساسي للنظام العراقي من سياسته، حيث تمكن الى حد ما من استغلال الظروف الاقتصادية المزرية التي كان يعيشها هؤلاء الناس المرحلون لكي يدفعهم الى الانضمام في صفوف المؤسسات القمعية للنظام.

لقد قام النظام العراقي بشتى الوسائل والسبل بتحطيم البنية التحتية الاقتصادية لكردستان، ومارس سياسة الاستنزاف والاستحلاب ضدها، اي استغل الموارد الاقتصادية في كردستان بهدف تقوية مؤسساته القمعية.

«لعنة النفط» ورغم ان كردستان العراق تطفو على بحر من النفط، حيث وقوع عدد كبير من الحقول النفطية الهامة ضمن كردستان العراق، اضافة الى ان كردستان العراق تمتلك احتياطيا نفطيا كبيرا يبلغ حسب الدراسات الحديثة حوالي نصف احتياطي النفط العراقي الذي هو ثاني اكبر احتياطي للنفط في العالم، الا ان الشعب الكردي ليس فقط لم يستفد من موارده وثرواته، بل حتى اصبح وجود النفط في بعض المناطق الكردستانية مأساة وكارثة عليه، حيث كان النفط من اهم الاسباب التي ادت الى تقسيم كردستان وتجزئته بين اربع دول (العراق وتركيا وايران وسورية) كما كان النفط وما يزال السبب الرئيسي لعمليات الترحيل والتهجير القسري التي يمارسها النظام العراقي ضد الكرد في (كركوك وخانقين ومخمور) والمناطق الكردية النفطية الاخرى، وتحاول الحكومات العراقية المتعاقبة ان تبقى هذه المناطق الغنية بالنفط تحت سيطرتها وبعيدة عن يد الكرد. ان مأساة كردستان لا تكمن في تجزئتها فقط، وانما في تقسيمها على اربع دول متخلفة تعاني من التبعية الاقتصادية، لذا اصبحت كردستان تابعة للتابع، مما تنعكس كافة المشاكل والازمات الاقتصادية لتلك الدول سلبا على اقتصاد كردستان.

ولم يكن القطاع الصناعي في كردستان العراق اوفر حظا من الزراعة، لان الحكومة العراقية لم تبد اهتماما بالصناعة، بل اقتصرت على بناء عدد قليل من المعامل الصغيرة والمحدودة الانتاجية في محافظتي اربيل والسليمانية.

«حقول الموت» اضافة لكل ذلك خلف الجيش العراقي كميات كبيرة من الاغلام والمتفجرات في المناطق الريفية في كردستان العراق، حيث يقدر عدد الالغام التي زرعها الجيش العراقي في كردستان بنحو عشرة ملايين لغم حسب احصائيات الامم المتحدة، وهي مشكلة كبيرة وخطيرة جدا، حيث راح ضحيتها آلاف القرويين، وما زالت حقول الالغام تحصد ارواحهم وتهددهم وتعيق عودتهم الى قراهم، ورغم وجود وكالات خاصة لرفع الالغام تابعة للامم المتحدة، الا انهم يتعرضون لانتقادات كثيرة من قبل المواطنين في كردستان نتيجة تباطؤ سير العمليات والطرق المتبعة لرفع الالغام، حيث يستغرق مشروع تطهير كردستان العراق من الالغام بالصورة التي عليها الآن فترة طويلة جدا تصل حسب رأي المختصين الى اكثر من مائة عام! من هنا نستطيع القول ان حكومة كردستان العراق تأسست على انقاض تدمير واسع للبنى التحتية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لذا فان اعادة الحياة الى بلد مدمر انهكته الحروب والنزاعات وشعب شهد المآسي والويلات كان عملا شاقا وصعبا، الا ان السلطات الكردية تولي البناء واعادة اعمار القرى اهمية كبيرة، وتم تأسيس وزارة لهذا الغرض باسم وزارة الاعمار والتنمية.

ولحكومة كردستان العراق مصدران رئيسيان للايرادات، الاول هو الايرادات التي تحصل عليها من مختلف النشاطات وخاصة ايرادات الجمارك والنفط العراقي المهرب والتي لا يمكن الاعتماد عليها بشكل رئيسي، لانها متقلبة وتعتمد على الظروف السياسية المحلية والاقليمية، والمصدر الثاني هو حصة كردستان العراق من برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء، حيث بموجب قرار 986 حددت حصة كردستان العراق من واردات النفط بنسبة 13% وتأخذ 8 وكالات خاصة تابعة للمنظمة الدولية على عاتقها تنفيذ البرنامج في كردستان، وتنفق ايرادات البرنامج على المجالات التالية (الغذاء والتغذية الاضافية، الصحة والادوية، التعليم، الزراعة، الكهرباء، الماء، والمجاري، الاسكان والتأهيل في القرى مع احتياجاتها، الطرق والمواصلات).

وتشارك حكومة كردستان العراق بالتنسيق مع وكالات الامم المتحدة في تنفيذ البرنامج. ورغم ان المسؤولين في المنظمة الدولية يشيدون بتنفيذ البرنامج في كردستان العراق مقارنة مع جنوب ووسط العراق، حيث يشرف النظام العراقي على تنفيذه، الا ان المسؤولين في حكومة كردستان العراق عبروا مرارا عن تذمرهم وامتعاضهم على البيروقراطية التي تتصف بها وكالات الامم المتحدة وكذلك عدم تنفيذ المشاريع في موعدها المحدد.

* كاتب وصحافي كردي اربيل ـ كردستان العراق