في التأنيث والتذكير

TT

حكاية المذكر والمؤنث حكاية عجيبة، والانجليز يقفون أمامها في ذهول عندما يسمعون بأن الآخرين يؤنثون ويذكرون الاثاث والمعدات والكتب والأقلام وكل شيء. لماذا يكون الكرسي مذكرا والمنضدة مؤنثة؟ ما الذي يجعل الراديو والتلفون مذكرا والثلاجة والبطارية مؤنثة؟ لا يعترف الانجليز بهذا التقسيم وقرروا ان يعطوا كل الاشياء غير العاقلة ضميرا خاصا بها، ضمير It. غير اننا كمعظم الشعوب الأخرى قررنا أن نؤنث ونذكر كل شيء.

الطريف في هذا الموضوع، اننا دأبنا ايضا على تطبيق نفس المزاج على الدول. بعض الدول عندنا مؤنثة وبعضها مذكر. كثيرا ما يثير ذلك بعض المشاكل. سألني زميل يهم بكتابة مقالة عن مشاكل الصومال فقال، يا خالد هل الصومال مذكر أم مؤنث؟ جرنا ذلك الى نقاش طويل، فيما اذا كان علينا ان نؤنث الصومال او نذكره؟ وكان المفروض فينا ان ننظم استفتاء او تصويتا ديمقراطيا في الموضوع لنتحقق عن رأي الأكثرية. ولكن ذلك شيء غير ممكن والصوماليون يذبحون بعضهم البعض.

مصر مؤنثة بدون شك، وكان لها حزب سياسي باسم مصر الفتاة. واعتاد الرسامون الكاريكاتيريون على تصويرها في رسومهم بشكل فتاة يافعة. اما العراق فلا شيء يزعج ابناءه اكثر من ان يقرأوا احدا يشير الى بلدهم بصيغة التأنيث. ومن المعتاد للرسامين هناك ان يصوروه في هيئة «ابو جاسم».

قد يبدو الموضوع تافها للقارئ. ولكنه ليس كذلك بالنسبة للكاتب، مما يضعنا في موضع عسير، خاصة ان هناك دولا جديدة تظهر للوجود من حيث لم نتوقع، ومن حيث لا سبيل لنا قط لفحص ذكورتها أو انوثتها أو احالتها الى طبيب يكشف عنها ويتحقق من جنسها .

وبالنظر لما يدور من كلام بشأن تقسيم العراق وتعديل الدستور، فمن الضروري، ونحن في هذا الصدد، ان ينص في الدستور الجديد بما يحدد جنس كل اقليم فيقولون مثلا كردستان جمهورية ديمقراطية كردية شعبية مؤنثة. ولا يجوز تغيير انوثتها بدون استفتاء عام. فقد ثبت ان تغيير جنس الدولة عملية اصعب من عملية تغيير الرجل الى امرأة أو تغيير امرأة الى رجل في هذا الزمان. أقول مثل ذلك عن ليبيا. فمن الضروري ان ينص في دستورها على انها جماهيرية عربية اشتراكية شعبية مؤنثة.

وطالما اشرت الى الاستفتاء، فاعتقد أن الأنظمة الجديدة تتحمل مسؤولية طرح الموضوع على الشعب. هل يفضلون ان تكون بلادهم انثى او ذكرا؟ وحالما يتقرر ذلك يبلغون الامم المتحدة بالقرار فتتلاقف الجرائد ووكالات الانباء اخبار الحدث بولادة دولة مؤنثة او مذكرة جديدة. ولا بد ان يفرض ذلك بعض الواجبات المتعلقة بالحشمة والتراث. لا يجوز مثلا للدولة المؤنثة ان تلعب كرة قدم مع دولة مذكرة او تجلس بجانبها في المحافل الدولية او تمارس القضاء ونحو ذلك من المهن التي تعتبر من اختصاصات الذكور. كما ينبغي للدولة المذكرة ان يكون لها صوتان مقابل صوت واحد للدولة المؤنثة، وان تتسلم ضعف المساعدات التي تتسلمها الدولة المؤنثة.

ولا يجوز لممثلي الدولة المذكرة ان يتبادلوا الحديث مع ممثلي الدولة المؤنثة او يفتحوا عليهم مكالمة هاتفية، او يبعثوا لهم برسائل او هدايا او باقات ورد او يعاكسوهم في الطريق. وعندما يستقر النظام الجديد للدولة المؤنثة ويتجاوز مرحلة الطفولة.

هذه أمور معقولة تماما في رأيي، والا فلا أدري أي سبب لتأنيث بعض الدول وتذكير دول اخرى.