إلا الجزمة الفرنسية!

TT

في الكلام العادي نقول فلان: جزمة.. أو يستحق ضرب الجزمة.. أو على جزمتي.. أو جزمة ولا يساوي أكثر.. والمعنى أن الجزمة نستخدمها في الشتيمة أو في التحقير..

وكان الاديب أيج. جي. ولز يعمل في أحد محلات الأحذية. وكان الدكان تحت الأرض. ومن النافذة لا يرى إلا أحذية الناس. ومن أحذيتهم يعرف مكانتهم في المجتمع. فالجزم ألوان وأشكال وجلود.. فهي تدل على صاحبها..

وقد انشغلت في الأيام الأخيرة بمعنى الجزمة لا عندنا، ولكن عند الفرنسيين. لماذا؟ أنا أقول لك .. فقد رأيت في مدخل(اللوليج دفرانس) في باريس شيئاً عجيباً. رأيت العالم الفرنسي شامبليون وقد وضع جزمته, فوق دماغ الملك رمسيس.. أنظر إلى التمثال وأتأمل. وأحاول أن أفهم ما الذي أراده صانع التمثال. ولماذا لم يتوقف المصريون عند هذا التمثال ويرفعون صوتهم بالاستنكار. كيف يقبلون هذه الإهانة.. ثم كيف لا تعتذر فرنسا عن مثل هذا التمثال. أو عن رأي المثال الذي صنع هذا التمثال، وهو نفسه الذي صنع تمثال الحرية في مدخل نيويورك؟!

ولا أدعي أنني أول من رأى تمثالاً عمره أكثر من مائة سنة. ولا أول من رأى واندهش وسأل. ولكني استأنف الاستنكار، ورحت أسأل لا عن معنى التمثال، وإنما عن معنى الجزمة. فلا بد أن الجزمة الفرنسية تختلف عن الجزمة المصرية أو العربية.. هل هي أنظف.. أو هل الشوارع التي تدوسها الجزمة أنظف..

ولم أجد إلا تفسيراً واحداً معناه ان شامبليون قد تمكن تماماً من فك الرموز الفرعونية. وانها تحت قدميه ـ ولكنني لم أقتنع ولم أسترح إلى ذلك. ويمكنني أن أضرب دماغي في الحائط. ولكن سوف تبقى الجزمة في مكانها. فشامبليون يمثل المعنى الفرنسي للجزمة، ورمسيس يمثل المعنى المصري للجزمة. وهذا التمثال دليل على ذلك!