أكثر القضايا إلحاحا اليوم في العراق هي مسألة اجتثاث البعث، ولذا وصل نائب الرئيس الأميركي لبغداد، ولنفس السبب تحرك العراقيون على كل المستويات، بين مؤيد ورافض، ومعهم المنطقة، لأن الطريقة التي تتم بها عملية اجتثاث البعث تشي بأن مستقبل العراق سيكون أكثر تعقيدا.
ومن هنا كتب زميلنا العزيز الدكتور جابر حبيب جابر مقالا مهما، ومحفزا للنقاش، للعراقيين وغير العراقيين من العرب، لأنه لو كان العراق على حدود المكسيك، مثلا، لما كان هاجسا عربيا أو خليجيا، بل سيكون هَمّ المجلات الدورية، والأروقة الأكاديمية لأخذ العبر، لكن العراق اليوم همٌّ لنا جميعا، فلإصلاحه انعكاسات، ولانهياره، لا قدر الله، ثمن سندفعه جميعا.
ملخص مقال الدكتور جابر، وكما فهمته، هو حول موضوع اجتثاث البعث من عدمه، أو قل العبور بأزمة العراق اليوم، وإن كان الدكتور لم يورد كلمة البعث إطلاقا في مقاله الذي لخصه بسؤال ذكي جدا كان عنوانا للمقال: «هل نصالح الماضي أم ننساه؟» الأحد 24 يناير 2010.
وعليه فإن الإجابة على العنوان الذكي هي: صالح، ولا تنسَ! وهذا الأمر نقوله للعراق، والعراقيين، فالأوطان لا تبنى على الثأر، وتصفية الخصوم، لأن ذلك يعني أن باب الجحيم سيظل مشرعا، وأن الدعوة ما زالت مفتوحة، وقائمة، لكل من أراد التخريب في الوطن الواحد، والتاريخ يقول لنا إن أهم عامل من عوامل بناء، وبقاء، الدول هو تماسك الوحدة الوطنية الداخلية، والإيمان بقيمة الدولة، كمظلة جامعة حامية، لكل مكونات الوطن الواحد، فالعراق لا يريد أن يكون لبنان، حيث إن لكلٍّ فصيلته التي تؤويه، خارجيا.
«صالح، ولا تنسَ»، تعني أن على العراق أن يطوي الأمس بالمصالحة الحقيقية، بين جميع مكوناته، شريطة أن يكون هناك دستور يحول دون تكرار الماضي، وأن تكون هناك ذاكرة جمعية من خلال التعليم، والقوانين، والإعلام، وقبلها كما أسلفنا الدستور، لضمان عدم تسلل عبث الماضي إلى اليوم، والضامن الرئيسي لكل ذلك هو بناء عراق أهم مكوناته هو المواطن العراقي فقط، دون وصف سني، أو شيعي، أو كردي، أو مسيحي، فللجميع حق الاعتزاز بطائفتهم، وأصولهم، ولكن ليس على حساب الوطن، فالوطن فوق الجميع، ومن باب «ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، وهذا أمر يتطلب مصالحة حقيقية، بين أبناء الوطن الواحد، لا من خلال الاستقواء بالخارج، أيا كان.
مشكلة عراق اليوم، أو قل النافذين فيه، أنهم يريدون الثأر من نظام صدام، متناسين أن ذلك النظام إن لم يعدل في شيء فقد عدل بظلمه، داخل العراق وخارجه، صدام لم يسع لمجد سني ضد الشيعة، أو مجد عربي ضد الأكراد، بل سعى من أجل بقاء نظام حكمه، ولو على أنقاض العراق. وبالتالي فلا أمل اليوم، أو غدا، بعراق مستقر ما لم تكن هناك مصالحة حقيقية وفق مبدأ «صالح، ولا تنسَ». مصالحة تضمن عدم انزلاق العراق إلى غياهب الديكتاتورية، والعبثية، قبل البعثية، فعندما نقول «لا تنسَ» أي لا تسمح بتكرارها، وليست دعوة للحقد والضغينة، فالدول لا تبنى بالثأر.