مهندس السد العالي

TT

يروي الأستاذ سامي شرف، مدير مكتب جمال عبد الناصر وكاتم أسراره الكبرى، في صحيفة «العربي الناصري» جريدة الناصريين الوحيدة في بلد لم يكن فيه سوى الصحف الناصرية، يروي قصة بناء السد العالي، أهم إنجازات المرحلة الناصرية، وربما الإنجاز الوحيد. فقد تبعثر كل شيء آخر في المعارك السياسية والصراعات السياسية والحروب العربية في كل اتجاه.

تحدى عبد الناصر الولايات المتحدة والغرب من أجل أن يبني لفلاحي مصر وزارعيها ومواسمها، أهراما أخر من المياه. ليس أهراما من أجل الموت بل من أجل الحياة. وليس من أجل فرعون بل من أجل شعبه. ومن يقرأ الأستاذ سامي شرف يكتشف أمرين، واحدا أراد هو كشفه، وثانيا لم ينتبه إلى مدى أهميته، أو إلى مدى «خطورته» كما يقول المصريون في التشديد على الأهميات.

الأول، يقول شرف، بصراحة وثائقية، أن أحمد حسين، سفير مصر في واشنطن عام 1953، كان مواليا للأميركيين وليس لبلده. وعندما طلب منه عبد الناصر نقل الرغبة في المساعدة إلى واشنطن، شرط عدم تسريب الخبر، قام بإعلان النبأ بطريقة مذلة لمصر. والباقي تقريبا معروف لقراء التاريخ المعاصر. وما هو غير معروف، مدى حرص عبد الناصر على التمويل الأميركي وعلى عدم الدخول في نزاع مع واشنطن.

الأمر الثاني الذي كشفه كاتم الأسرار، وحارس أدراجها الأخير، والرجل الذي بقي فقيرا فيما تحولت الناصرية إلى صناعة، هو أن صاحب فكرة السد مهندس يوناني يدعى «دانينوس». وقد عرض دانينوس الفكرة من قبل على حكومات الملك فاروق، ولم تلق اهتمام. ثم عرضها على ثورة 23 يوليو عام 1953، حيث كلف قائد الجناح جمال سالم بتولي رئاسة المشروع ودراسته. وإذا كان كلام الوزير شرف دقيقا، فهو يعني أن أهم مشروعين عمرانيين في تاريخ مصر، كان صاحب الفكرة فيهما أجنبيا. لكن الجميع تحدثوا عن فردينان دوليسبس فيما بقي دانينوس مجهولا حتى ظهور المقال.