إنجاز رائع

TT

خلف الانتصار الكروي الكبير الذي حققته مصر بفوزها ببطولة كأس الأمم الأفريقية على غانا بأنغولا «لحظة وطنية»، فالفوز كان ثمرة مجهود وتخطيط وإدارة وقيادة، نجمها هو المدرب الفذ حسن شحاتة الذي من الممكن، وبكل نزاهة وموضوعية، منحه أفضل مدرب عربي في التاريخ. فهو مخطط ماهر، ومعد بارع، ومحفز فذ، وطبيب نفسي فعال، وقائد محنك، وإداري نافذ؛ وهي جميعها صفات تصنع الأبطال.

العالم العربي متعطش للحظات الإنجاز، متعطش للحظات الفرح، متعطش للقدوات الناجحة، متعطش للإنجازات الجماعية، في جو ملبد بقصص الفساد والسلبية والإخفاقات. جاءت هذه القصة في وقت مناسب لتسلط الضوء على قصة إنجاز. مدرب وطني أدرى بعقلية ونفسية لاعبيه، أعد «خلطة» مناسبة من كفاءات الخبرة وطاقات الشباب وواجه بها إحباطا شديدا نتاج الإخفاق الذي حدث بسبب عدم التأهل لمسابقة كأس العالم بجنوب أفريقيا لخسارة فريقه أمام الجزائر وما صاحبها من توابع نفسية وضغوطات شعبية هائلة تلاها غياب لعناصر بارزة ومهمة من الفريق، وتمكن من تحويل كل ذلك إلى عناصر تحفيز وتركيز وحقق إنجازات غير مسبوقة، محطما معه أرقاما قياسية في تاريخ هذه البطولة. مدربو الألعاب الرياضية في كثير من دول العالم ينظر إليهم على أنهم مديرون وقياديون، ويستخدمون كمحاضرين ومؤلفين ليقدموا تجاربهم في الإدارة والتحفيز للعامة وكبريات الشركات العالمية.

وهناك كثير من الأسماء الكبيرة التي نجحت بإبهار في نقل تجربتها للعامة ولقطاع الشركات. أسماء مثل بوبي شارلتون الإنجليزي المخضرم، والسير رالف رامزي ومدرب مانشستر يونايتد الحالي فيرغسون، وفي الولايات المتحدة الأميركية هناك أسماء لامعة حجمها مثل أحجام نجوم هوليوود الكبار، فهناك مدربو السلة الكبار مثل فيل جاكسون الذي كان يعتمد على فلسفة «زن» اليابانية الباعثة على الهدوء والثقة، وهناك بات رايلي المحفز الأسطوري، وأيضا لا يمكن إغفال رد أيرباك أسطورة التدريب والإدارة لفريقه بوسطن سليتكس، وهناك القيصر الألماني فرانز بكنباور ومحقق الأمجاد لبلاده بمهارة وتميز، وكذلك الأمر بالنسبة للأسطورة الفرنسية ميشال بلاتيني.

عربيا هناك ومضات «سريعة» عرفها المغاربة مع نجمهم الكبير البادو الزاكي، وكذلك عرف التونسيون وهج «اللحظة الوطنية» مع عبقري الكرة التونسية عبد المجيد الشتالي، وفي العراق عرفوا ذلك مع أيقونة التألق الكروي العراقي الراحل «عمو بابا»، والسعوديون أيضا عاشوا هذه اللحظة مع خليل الزياني، وفشلت المحاولات التالية مع ناصر الجوهر ومحمد الخراشي لأنه كان ينظر إليهما على أنهما مدربا «احتياط مؤقت».

صحيح أن حسن شحاتة والمنتخب المصري فازوا ببطولة كرة القدم، ولكن الإنجاز الأهم الذي تم تحقيقه هو التخطيط للهدف والوصول إليه وإنجازه في ظل ظروف مليئة بالتحدي والصعاب، وهي معضلة يعيشها المواطن العربي بشكل يومي، فقد القناعة بوجود إمكانية إنجاز أي من أحلامه، وبوجود كفاءات مهنية ومحترمة قادرة على الإنجاز بصدق وأمانة.

عندما فاز فريق هوكي الجليد الأميركي بذهبية بطولة الألعاب الأولمبية الشتوية بمدينة ليك بلاسيد الأميركية ضد العملاق السوفياتي الذي كان مليئا بعناصر الخبرة والقوة الجسمانية المهولة بينما كان الأميركيون هواة وصغارا في السن، انعكس ذلك بالإيجاب الشديد على الذهنية الشعبية العامة، بل ساهم في إخراجهم من الأزمتين السياسية والاقتصادية اللتين كانتا شديدتي التأثير عليها، وتحولت بعد ذلك هذه القصة إلى مادة درامية في فيلم ناجح بقي كوثيقة تاريخية تروي الإنجاز وتحفز الأجيال القادمة.

إنجاز حسن شحاتة يتخطى المسألة الكروية، فهو إنجاز إداري وإنساني كبير.