الرياضة عند الفراعنة واليونان القدماء

TT

شاهدت، كأي متفرج عادي محب لرياضة كرة القدم، مباراة الجزائر ومصر في الدور قبل النهائي لبطولة كأس الأمم الأفريقية التي انتهت بفوز الفريق المصري على منافسه بأربعة أهداف نظيفة. أما نهائي الكأس فقد شاهدته مع صديقي الفنان الكبير عمر الشريف وهو أيضا من عاشقي كرة القدم، الذي يتحدث عنها كمتخصص، حيث لعب في يوم ما بجوار كابتن مصر صالح سليم.. والفريق المحبب إليه بعد فريق مصر والنادي الأهلي هو الأرسنال.وللأسف في مباراة مصر والجزائر، وعلى الرغم من أن أحفاد الفراعنة أمتعونا بفنون كرة القدم وأحرزوا أهدافا جميلة في مرمى منافسهم، فإننا كنا فعلا متأثرين بالروح التي نزل بها الفريق المنافس لأرض الملعب، وكأنه قد نزل إلى معركة حربية وليست مباراة في كرة القدم.. لقد مارس الفراعنة منذ آلاف السنين العديد من ألوان الرياضة وعرفوا لعب الكرة باليد وكذلك رفع الأثقال والعدو والمبارزة والمصارعة وركوب الخيل وغيرها من الرياضات الجسمانية، إضافة إلى ألعاب ذهنية كالشطرنج، واهتموا بتصوير هذه الألعاب على جدران مقابرهم بل على معابدهم أيضا، وهناك مناظر نرى فيها الشباب يتدرب على يد مدربين كبار يعلمونهم فنون اللعبة، وفي أحد المناظر الذي يمثل التدريب على رمي السهام نجد المدرب يقول للشاب: «انظر أمامك وشد ذراعك واضرب على الهدف ولا تنحرف يمينا أو يسارا». ومن الملوك والأمراء الذين اهتموا بممارسة صنوف الرياضة الأمير أمنحتب الذي أصبح فيما بعد الملك أمنحتب الثاني ابن الملك العظيم تحتمس الثالث، الذي شكا رجال القصر إليه من تهور ابنه الأمير وخشيتهم عليه، لكن الملك كان سعيدا بحب ابنه للرياضة لأنها تربية للنفس قبل الجسد.. وكان من أهم التعليمات التي يلقيها المدربون للشباب في رياضة المصارعة هي عدم ضرب الخصم في مواضع مؤذية والحفاظ على حياة الخصم وعدم اللجوء إلى العنف، وإنما كان الفوز يتحقق فقط فور أن يلقي أحد المصارعين زميله على الأرض.. فإذا كانت هذه هي التعليمات الخاصة برياضة مثل المصارعة، فما بالنا بلعبة كرة القدم التي نلعبها الآن؟! وكما اهتم المصريون القدماء بالرياضة عشقها أيضا اليونانيون، ومارسها الكبير والصغير لتربية النفس وبناء الجسد، وجعلوا لذلك احتفالا كبيرا كل أربع سنوات بإقامة مسابقات الألعاب الأولمبية في مدينة أولمبيا، واعتادوا قبل مجيء موعد الأولمبياد بشهر كامل الإعلان عنها في كل المدن لكي يتوقف الصراع بين المدن المتحاربة وتوقع هدنة سلام بينها، وذلك من أجل تأمين الطرق المؤدية إلى مدينة أوليمبيا سواء للرياضيين المشاركين في المسابقات أو المشجعين الذين حرصوا على السفر بالبحر والبر لمشاهدة المسابقات الرياضية.. وكان من أجمل قوانين الأولمبياد هو الالتزام بآداب المسابقات والألعاب الرياضية، وكان يُوقّع على المخالف غرامات مالية تذهب لمصلحة تحسين الملاعب أو الصرف على المتسابقين، وكانت جريمة الغش في المسابقات لا تحرم اللاعب من السباق فقط، بل كان يُوقع عليه جزاء مالي كبير، إما يدفعه بنفسه أو تدفعه المدينة التي ينتمي إليها.. في حين أن الفائز لم يكن يتقاضى جوائز مالية بل هدايا بسيطة، وفى أحيان قليلة مجرد إكليل من الورد يوضع على رأسه، وكان أكبر تكريم للفائز هو نحت تمثال له ليوضع في ساحة الأولمبياد بجوار تماثيل الرياضيين.. أما في مدينته فكان الفائز يضمن مقعدا في الصف الأمامي من مسرح المدينة مجانا مادام على قيد الحياة.. ترى هل نتعلم من أبطال الأولمبياد ومن قبلهم الفراعنة ونعرف أن الرياضة ليست مصارعة وضربا من الخلف ونطح الحكم؟!