كرزاي وضع خطة من 5 حلقات لمصالحة طالبان

TT

وضع مؤتمر لندن حول أفغانستان التصور الأول لـ«استراتيجية الخروج»»، بحيث تتيح لواشنطن، إذا نجحت مقررات المؤتمر، تخفيض عدد قواتها بنسبة كبيرة، في الوقت الذي يكون فيه الرئيس باراك أوباما يستعد لخوض معركة إعادة انتخابه رئيسا عام 2012.

يردد الرئيس الأفغاني حميد كرزاي أنه منذ ثماني سنوات يدعو لفتح حوار مع العناصر «المعتدلة» من طالبان، ولم تقتنع الولايات المتحدة، أو الحكومات الغربية، أو الحلف الأطلسي، بهذه الفكرة إلا أخيرا، لذلك جاء مؤتمر لندن ليبعد التركيز عن الحرب في أفغانستان، إلى المصالحة مع طالبان.

خلال المؤتمر كان كرزاي «سعيدا» جداً لأنه بعد ثماني سنوات لا تزال المجموعة الدولية مهتمة بأفغانستان، وهذا أمر إيجابي يستطيع تسويقه إلى الشعب الأفغاني، ولأن المجموعة الدولية تبحث عن «استراتيجية الخروج»، أمعن كرزاي في شرحه كيف سيواجه الفساد المستشري في حكومته، على الأقل في الأشهر القليلة المقبلة، حتى موعد انعقاد مثل هذا المؤتمر في كابل في الربيع المقبل لمعرفة ما إذا كانت حكومته التزمت بما وعدت به.

الذي يقلق شريحة كبيرة من الشعب الأفغاني، ما إذا كان كرزاي والمجتمع الدولي، كل من أجل أهدافه، سيساوم حول ما تحقق في أفغانستان خلال السنوات الثماني الأخيرة من حرية نسبية، إن كان فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان، أو المؤسسات التي قامت على أسس ديمقراطية. لأن مبادئ طالبان الأصولية تتناقض مع القيم الأساسية التي تحمل لأجلها الشعب الأفغاني كل تبعات الحرب، خصوصاً المرأة. وإذا كان الجلوس مع طالبان يهدد ما تتطلع إليه نسبة كبيرة من الشعب الأفغاني، فإن هذه رسالة خطيرة، لأنها ستعيد إلى نقطة الصفر كل الحقوق الإنسانية، وبعض الحريات النسبية التي تحققت في السنوات الماضية، خصوصاً أنه حتى الآن لم يلغ كرزاي القانون الذي يتيح للرجل «اغتصاب» زوجته إذا ما تمنعت، حتى لأسباب صحية، عن ممارسة الجنس معه، أو تطليقها وحرمانها من أولادها(!)

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قالت: إن حقوق المرأة في أفغانستان خط أحمر. ولم تستطرد..

كرزاي الذي كانت إعادة انتخابه رئيسا عملية شابها الكثير من التزوير والفساد، لم يعرض خطة مصالحته مع طالبان على الشعب الأفغاني، فالشعب لا يعرف من هي الأطراف من طالبان التي ستجلس على طاولة الحوار، وما سيُعرض عليها كحافز. إذا كان العرض الوحيد هو المال، فإنه أمر خطير جداً. لأنه إذا خُصص مبلغ يصل حتى 500 مليون دولا ر لشراء طالبان (ضمن سياسة فرّق تسد)، فإن ذلك سيدفع الأطراف التي بقيت حتى اليوم على الحياد وغارقة في فقر مدقع، إلى البدء في التخطيط وشن عمليات إرهابية بهدف الحصول على المال وإقناع العالم بشراء شرها!

الذين التقوا في مؤتمر لندن، من المشاركين في الحرب، بدا عليهم التعب بعد ثماني سنوات من استنزافهم، لذلك رغم لغة «العصا والجزرة» التي استعملت أثناء الحديث عن طالبان، بدوا مصرين على البحث عن الوسائل، مهما كانت، والبدء فيما سموه «مفاوضات السلام».

قبل أسبوع من موعد مؤتمر لندن قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس: «إن طالبان جزء من النسيج السياسي لأفغانستان»، وقال الجنرال ستانلي ماكريستال قائد قوات الحلف الأطلسي في أفغانستان: «كجندي أقول، وقع ما يكفي من القتال في أفغانستان، لقد طالت هذه الحرب كثيرا، والوضع اليوم ليس أفضل مما كان عليه عام 2004، فلماذا الاستمرار فيها»، (الفايننشال تايمز الاثنين ما قبل الماضي).

الخطة التي قد يطرحها كرزاي على الشعب الأفغاني، هي أبعد من جذب «المعتدلين» فقط من طالبان. وقد بحثها مع الطرف الباكستاني أثناء قمة إسطنبول التي عقدت مباشرة قبل مؤتمر لندن، وأصغى لها الرئيس آصف زرداري والوفد المرافق له من كبار ضباط الاستخبارات الباكستانية، وخلاصتها:

تقسّم طالبان إلى خمس حلقات:

الأولى: تضم عناصر تابعة للملا عمر (طالبان)، وقلب الدين حكمتيار (حزبي إسلامي -الأخطر في الشمال) وسراج الدين حقاني (شبكات حقاني).

والثانية: تشمل ما بين 15 إلى 20 مجموعة من المقاتلين. مهمة هؤلاء المشاركة في وضع أجندة استراتيجية للمصالحة على المستوى الوطني.

أما الحلقات الثالثة: وتضم نحو 70 شخصية من قادة المقاطعات، والرابعة: وتضم نحو 700 فرد، والخامسة: التي تمثل المقاتلين الذين يتراوح عددهم ما بين 20 إلى 25 ألفاً، يُدمجون عبر مبادرات على مستوى المقاطعات. وهذه الخطة كما يطمح كرزاي ستكلف المليارات وليس الملايين من الدولارات.

أول رد فعل على هذه خطة (المصالحة) صدر على لسان وكيل أحمد متوكل الذي كان وزيراً لخارجية حكم طالبان والذي نزعت الأمم المتحدة اسمه عن قائمة المطلوبين بناء لطلب كرزاي (يبقى على اللائحة 140 اسما) شجع على عملية السلام، إنما رفض فرض الشروط. لكنه عبّر عن شكوكه بفعالية المال لشراء مقاتلي الرتب الصغيرة. قال: «إن الفساد من صفة الحكومة الأفغانية، ثم إنها حكومة ضعيفة. وفي الماضي أغدقت المجموعة الدولية الكثير من الوعود المالية، التي ظلت وعودا». الآن، إذا تركنا طالبان جانباً، فإن الدول التي يمكنها أن تفسد هذه الخطة كثيرة: باكستان، وإيران، والهند، وروسيا والصين. هذه الدول قد لا تتفق على صفقة كبرى واحدة، وتصبح بالتالي الاتفاقيات الثنائية ضرورية.

باكستان وحدها حالة خاصة. يمكن أن تفرض على طاولة المفاوضات مجموعة «كويتا» من طالبان، وهذه ترفض كل أنواع المصالحات، أو يمكن أن تدعي أنها عاجزة عن فعل شيء، فباكستان تتطلع إلى إبقاء أفغانستان ضمن مرماها مع استبعاد الهند نهائياً عن أي عمل إقليمي يتعلق بأفغانستان، كما أنها ترفض الشراكة الاستراتيجية بين الهند والولايات المتحدة. إذن موقف باكستان يعتمد على قدرة الولايات المتحدة في المحافظة على التوازن لجهة علاقتها مع كل من الهند وباكستان.

الهند التي تركز على «الشراكة الاستراتيجية» بينها وبين الولايات المتحدة، تميل إلى بقاء الوجود الأميركي العسكري في المنطقة، وترغب في أن تستمر قوات الأطلسي في القتال. وهي تريد أن تبقى على صداقة مميزة مع كابل.

إيران لديها توقعاتها الخاصة، تريد اعترافاً بها كلاعب إقليمي، وهي تميل إلى حكومة وفاق وطني موسعة في كابل لتضمن مصالح الشيعة الأفغان، وتتطلع إلى ضمانات لأمنها الخاص. لكن طهران لا تتطلع إلى مواجهة الولايات المتحدة في أفغانستان، هي قاطعت مؤتمر لندن بسبب توتر العلاقات بينها وبين بريطانيا. أما الصين وروسيا فإنهما تفضلان أفغانستان خالية من الجيوش الأجنبية وأكثر حيادية، هذا في العلن وإن كانت الدولتان تريدان لأميركا أن تغرق أكثر في هذا المستنقع المكلف ماليا وعسكريا واقتصاديا.

هناك الكثير من الاتصالات والمواقف خلف الكواليس. لتسهيل انسحابها من أفغانستان، تسوّق الولايات المتحدة لتقارب هندي - باكستاني، إذ من الأفضل والأقل كلفة لها الدخول في وساطات سلام من البقاء في ورطة عسكرية. كذلك لوحظ انخفاض ضجيج الحراك الأميركي في ما يتعلق بإيران. وإيران تتجاوب تاركة المجال أمام اتصالات سرية علّها تثمر بين الطرفين لأهداف أبعد من أفغانستان.

العلاقات الأميركية-الروسية وصلت إلى منعطف حساس والدولتان تتوجهان لاتفاق جديد للحد من التسلح، ولن تسمحا لأفغانستان بعرقلة اللعبة الكبرى بينهما. لكن العلاقات الأميركية -الصينية المتوترة أصلا، توترت أكثر في الآونة الأخيرة، بسبب قرار واشنطن بيع السلاح لتايوان، ناهيك عما جرى مع «غوغل» من تدخلات الرقيب الصيني، وقرصنة الإنترنت الرسمية، وقرار الرئيس أوباما استقبال الدالاي لاما الزعيم الروحي للتيبت. وكانت بريطانيا حذرت يوم الأحد الماضي من دور الاستخبارات الصينية ومحاولتها ابتزاز الشركات البريطانية. إنما يبقى أن للصين مصلحة أساسية في استقرار جنوب ووسط آسيا.

الخطوة التالية لمؤتمر لندن هو الاجتماع الدولي الذي سيعقد في الرياض أواخر هذا الشهر. السعودية على علاقات جيدة مع باكستان وأفغانستان وعناصر من طالبان وقد يكون دورها مهماً. الأهم في كل هذا، ألا تستعجل أميركا الوضع، لأنه منذ قررت زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان، كانت الفكرة «تثبيت» الوضع هناك، بأي شكل كان، وتسليم السلطات لطالبان!