أزمة في السودان

TT

يمثل السودان أحد أكثر مسؤوليات المجتمع الدولي إلحاحا، نظرا لتجدد أعمال العنف في كافة الأنحاء. وتعتمد الكثير من الإنجازات هناك على تحقيق التوازن. وقد ساعدت إدارة بوش على صياغة اتفاقية السلام الشامل عام 2005. ومن بين النصوص المهمة في هذه الاتفاقية، إجراء استفتاء خلال يناير (كانون الثاني) 2011 في جنوب السودان، كي يختار المواطنون إما الانفصال أو البقاء في إطار دولة موحدة.

ومنذ عام 2005، انخفضت الأعمال القتالية بدرجة كبيرة، وانسحبت القوات الشمالية من الجنوب، وشُكلت حكومة وحدة وطنية في الخرطوم وحكومة جنوبية إقليمية في جوبا، وجرى تقسيم الثروة البترولية. وحدث تقدم في بعض المناطق الحدودية المتنازع عليها، ومُرِّر تشريع للتحضير لانتخابات أبريل (نيسان)، ويعد ذلك جزءا مهما من تنفيذ اتفاقية السلام الشامل وجزءا من عملية انتقال ديمقراطي يمكن أن تتم على المدى الطويل. وإذا حقق هذا الجهد الانتخابي نجاحا، ستشارك الكثير من المجموعات العرقية والفصائل السياسية للمرة الأولى في عملية تتسم بالشفافية وستكون هذه العملية بمثابة ممارسة مهمة للاستفتاء الجنوبي المقرر إجراؤه في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ويلعب مركز كارتر دورا كبيرا داخل هذا القطر الضخم على مدى أكثر من 20 عاما، وحاول المركز أن يحقق سلاما بين الحكومة الإسلامية في الخرطوم والثوّار غير المسلمين في الجنوب. وخلال العام الماضي، راقبنا عملية سلمية حققت نجاحا مفاجئا جرى خلالها تسجيل أسماء الناخبين في مختلف أنحاء البلاد، وبلغ العدد 16 مليون سوداني، أو نحو 80 في المائة من العدد المقدّر للناخبين المؤهلين. ومن المقرر أن تبدأ الحملة الانتخابية في 13 فبراير (شباط). ونقوم حاليا بتدريب ثلاثة آلاف مراقب محلي كي يشاركوا في عملية المراقبة على الانتخابات.

ولكن، ثمة خطر يتهدد هذا التقدم الملحوظ، حيث تتخذ لجنة الانتخابات الوطنية قرارات متأخرة، كما يعوزها التمويل الكافي والدعم الحكومي، وتغيب التوعية العامة الكافية بأعمال هذه اللجنة. ولا تزال هناك خلافات خطيرة لم يتم حلها بخصوص ترسيم الحدود وتقسيم الثروة البترولية بصورة دائمة وبخصوص البنية التحتية وما إذا كانت عملية الإحصاء السكاني عام 2008 أدرجت الناخبين المحتملين داخل إقليم الجنوب وفي دارفور وغيرها من المناطق. كما مررت حكومة الخرطوم قانونا تعسفيا غير مقبول وهو قانون القوات الأمنية الوطنية، ولوحظت زيادة أخيرة في أعمال العنف في الجنوب.

وهناك مخاوف كبيرة ترتبط بدارفور، وتتمثل المشكلة الحالية في غياب سيادة القانون بصورة عامة وليس في تمرد منظم وردود فعل وحشية من جانب القوات الحكومية والميليشيات العربية غير النظامية كما كان يحدث في السابق. وقد تفاقمت الأمور بسبب طرد الحكومة منظمات المساعدة التي نحتاج إليها لتقديم يد العون لنحو 2.7 مليون نازح. وبسبب الشعور بعدم وجود رادع، تزايدت الهجمات على عمال المساعدة الدوليين والمسؤولين عن حفظ السلام خلال العام الماضي.

ويجب على المجتمع الدولي أن يبذل المزيد للمساعدة على ضمان إجراء عملية انتخابية ناجعة، وسيكون مركزنا قادرا على تعبئة 60 مراقبا خلال انتخابات أبريل (نيسان). ولكن هناك حاجة شديدة إلى المزيد من المراقبين من أفريقيا ومن الاتحاد الأوروبي. وتقول المؤشرات إنه سيكون هناك ترحيب بهؤلاء المراقبين من جانب الفصائل السياسية، ونأمل ألا تكون هناك قيود على عملهم.

كما سيكون أمام المجتمع الدولي دور مهم للمساعدة على تنفيذ نتائج الاستفتاء، سواء خلص إلى استقلال للجنوب أو معالجة الخلافات الوطنية الداخلية التي أضعفت السودان على مدى 25 عاما. (وسواء فاز أم خسر الرئيس عمر البشير فلن تتغير الصفة القانونية الدولية له كمتهم بارتكاب جرائم حرب).

ومن المستحيل تقريبا تخيل مدى المأساة التي سيعيشها السودان حال استؤنفت الحرب، وستؤثر هذه الحرب لا محالة على الدول التسع المجاورة. وهناك خطورة أكبر تتمثل في احتمالية ظهور خصومات دينية داخل منطقة أوسع، مع دعم المسلمين للإقليم الشمالي في مواجهة حلفاء الجنوب. ومن المهم أن تتدخل الأمم المتحدة والدول من أجل ضمان تنفيذ اتفاقية السلام الشامل لعام 2005 بالكامل عن طريق توفير دعم مستدام وقوي لهذا التقدم المتعثر من أجل تحقيق السلام والديمقراطية.

*الرئيس الأميركي الأسبق ومؤسس مركز كارتر

غير الربحي

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»