إيران بين السوط والجزرة

TT

لافت أن يستمر موقف إدارة الرئيس باراك أوباما من إيران في التأرجح بين اللجوء إلى السوط أو الاكتفاء بالتلويح بالجزرة.

ورغم أن قراره بالاعتماد، حاليا، على «دبلوماسية الباتريوت» (المنظومة الدفاعية المضادة للصواريخ) لحماية دول الخليج العربية من ضربة إيرانية محتملة، يوحي باتجاه عسكري تصعيدي حيال إيران، يلتقي الهدف السياسي لصواريخ أوباما مع هدف صواريخ سلفيه، بوش الأب عام 1991 وبوش الابن عام 2002: قطع الطريق على تسلم إسرائيل المبادرة في التعامل مع ملف إيران النووي، ويفترق عنه في أنه لا يشكل مجرد عودة إلى منطق الجمهوريين بقدر ما يعكس هاجس الإدارة الديمقراطية من احتمال مصادرة إسرائيل دور شرطي الشرق الأوسط، وبالتالي توريطها في حروب لا تناسب أجندة البيت الأبيض سواء في أولوياتها أو في توقيتها.. الأمر الذي يتطلب تقديم «ضمانة أمنية» لإسرائيل تقطع عليها حجة التدخل العسكري في إيران «لحماية» أمنها.

ولكن إذا كان قرار نشر صواريخ الباتريوت على أرض الخليج والسفن الحربية الأميركية في مياهه يهدف إلى سحب مبادرة التعامل مع ملف إيران النووي من يد إسرائيل، فهو يندرج أيضا في خانتين مقاربتين لا واحدة فقط:

*خانة الإجراءات التصعيدية التي توحي بترجيح الخيار العسكري على غيره في هذه المرحلة من المواجهة مع إيران. هذا البعد العسكري لقرار أوباما يعززه قرار إدارته تقديم المزيد من الدعم العسكري «لحماية» دول الخليج العربية، وربما أيضا إشارة رئيس الحكومة البريطانية السابق، توني بلير، 58 مرة إلى خطر إيران النووي في الشهادة التي أدلى بها الأسبوع الماضي أمام لجنة التحقيق البريطانية في حرب العراق.

*خانة التمهيد لتطبيق عقوبات اقتصادية وتجارية أشد صرامة على إيران، وهو خيار تثبته عروض التفاوض المتكررة التي طرحها أوباما على طهران (وآخرها العرض الذي رفضته بشأن تخصيب اليورانيوم في الخارج)، وتأكيد وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، الأسبوع الماضي، أن واشنطن ستسعى لإقرار المزيد من العقوبات على إيران ما لم تقلص برنامجها النووي، وتشكيك وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس شخصيا - خلال زيارته للعراق في ديسمبر (كانون الأول) الماضي - في جدوى الحرب في حسم النزاع عبر ملاحظته بأن أي ضربة عسكرية لإيران من شأنها «تأخير» برنامجها النووي «لمدة سنتين أو ثلاث» فحسب.

ولكن إذا كان خيار السوط أو الجزرة عنوان المرحلة في واشنطن، فإن الوضع السياسي الذي تعيشه إيران حاليا يبدو محبطا لدبلوماسية السوط في وقت يتسع فيه الشرخ السياسي بين أبناء الرعيل «الثوري» الواحد في إيران، فأي تدخل عسكري مباشر في هذه الأجواء سيساعد النظام الإيراني على تصنيف معارضيه كعملاء للأجنبي ويسهل له القضاء عليهم، خصوصا أن هذا النظام الإيراني اعتاد على أن يلقي مسؤولية مشكلاته الداخلية على الجهة الخارجية التي يناسبه استعداءها. (الدبلوماسيون الألمان مؤخرا وقبلهم الهند ودائما الولايات المتحدة وبريطانيا).

وفي حال العودة إلى الدروس التي استقتها الولايات المتحدة من تجربة احتلالها المكلف للعراق لن تجد الإدارة الديمقراطية صوتا واقعيا يشجعها على خوض مغامرة عسكرية أخطر وعلى ساحة أكثر تعقيدا من العراق.

لذلك، وعلى خلفية رغبة إدارة أوباما في الظهور بمظهر الحريص على تجنب أخطاء سلفه الجمهوري، يصح الافتراض أن إجراءاتها العسكرية في الخليج ليست تمهيدا لحرب بقدر ما هي توطئة لتشديد العقوبات الاقتصادية والحصار الدبلوماسي على إيران.. على أمل التعجيل بانهيار النظام.