إيران.. هل يغير الحرس الثوري موقفه؟

TT

قبل ما يقرب من شهرين، تعهد الجنرال محمد علي عزيز جعفري، قائد حرس الثورة الإسلامية، بالتصدي لأي تظاهرات مناهضة للنظام في البلاد والقضاء على ما وصفه بـ«سلسلة من المؤامرات».

إلا أنه على مدار الأسابيع الثمانية الماضية بدت هذه «السلسلة» وكأن قوى المعارضة لم تخر وبدت قوية كما كانت دائما، حيث تحدى المحتجون في أنحاء البلاد الجنرال وسادته السياسيين بتنظيم الكثير من التظاهرات حملت شعارات أكثر راديكالية.

وقد نادت بالفعل جماعات المعارضة المتعددة، التي تشكل الحركة المؤيدة للديمقراطية، بتنظيم سلسلة أخرى من المظاهرات في الحادي عشر من فبراير (شباط)، الذي يوافق الذكرى السنوية لثورة الخميني.

وتجري الآن محادثات بين الإدارة والمعارضة لتتبع مسارات منفصلة لمظاهرات المتنافسين، واحدة نظمها النظام الحاكم والأخرى تمثل المعارضة. وتشير حقيقة وجود مثل هذه المحادثات إلى أن النظام الحاكم قد أقر بالفعل بوجود إيرانيْن؛ واحدة تحاول التشبث بنظام لم يعد قابلا للحياة، وأخرى تسعى لانطلاقه جديدة للبلاد.

ويشتمل التقويم الرسمي للجمهورية الإسلامية على 22 يوما، ينظم خلالها النظام الحاكم مظاهرات لاستعراض عضلاته وإرهاب معارضيه. لكن الحركة الديمقراطية نجحت في أعقاب الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في يونيو (حزيران) الماضي، في التحرك على طريقة المصارعة اليابانية، واستخدام الأيام الرسمية للتظاهر ضد النظام الحاكم. وأصبح أمام النظام الحاكم أن يختار بين إما إلغاء «تقويمه الثوري» أو السماح للمعارضة بإظهار قواتها المتعاظمة.

بدأت الحركة المناهضة للنظام الحاكم كاحتجاج على نتيجة الانتخابات الرئاسية، التي جرت في يونيو (حزيران) الماضي، والتي نتجت عن انتصار ساحق للرئيس محمود أحمدي نجاد ليتم انتخابه لفترة رئاسية ثانية، حيث زعمت تزويرها.

وكان الشعار الأول للجماهير «أين صوتي؟». وحاول قادة الحركة العرضيون، بمن فيهم رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي، الذي أصر على أنه هو من فاز بالانتخابات لا أحمدي نجاد، جاهدين لجعل الاحتجاج مقصورا على مطالب محددة مثل إعادة فرز الأصوات، وفي النهاية إجراء جولة إعادة وفقا لقانون الانتخابات.

بيد أن الحركة خلال تطورت الأسابيع الثمانية الماضية تطورا يتعدى هذه الأهداف. واختفت تقريبا الشعارات الأولية التي ركزت على تزوير عملية التصويت، وحل محلها شعارات صريحة مناهضة للنظام الحاكم مثل «الموت للديكتاتور» و«الحرية الآن» و«الجمهورية الإيرانية، وليس الجمهورية الإسلامية».

كما حاول كل من موسوي وآية الله مهدي كروبي، المرشح الآخر الخاسر في الانتخابات الرئاسية الماضية، منع الهجوم على «القائد الأعلى» آية الله علي خامنئي على أمل التوصل إلى اتفاق معه في النهاية. وكجزء من هذا الاتفاق، وعد الاثنان بالمحافظة على البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية والدفاع عنه. ورفضت الجماهير ذلك بترديدهم للهتاف الذي يقول «تخلوا عن تخصيب اليورانيوم. افعلوا شيئا من أجل الفقراء».

من الواضح أن الحركة الديمقراطية لا يروق لها التعامل مع خامنئي، الذي يواجه انتقادات بخيانة دوره الدستوري كحكم في العملية الانتخابية عن طريق الوقوف إلى جانب أحمدي نجاد حتى قبل إعلان النتائج الرسمية للانتخابات.

وكان من المفترض أن ينأى خامنئي بنفسه عن الوقوف إلى جانب أي من الفصائل. وبالانضمام إلى السباق فقد أصبح طرفا في المواجهة. لذلك، فليس من المفاجئ أن المتظاهرين يحرقون دُمى تجسده ويمزقون ملصقات تحمل صورته ويرددون شعارات صارخة ضده. ويقول أحد الشعارات الشعبية «خامنئي هو القاتل. وصايته باطلة».

وأكد على هذه النقطة الرئيس السابق محمد خاتمي. ففي بيان جريء على غير العادة الأسبوع الماضي، أعلن خاتمي فعليا إنهاء دور خامنئي باعتباره «القائد الأعلى». وقال خاتمي إن هذه المكانة كان يمكن الدفاع عنها فقط إذا أثبت الرجل الذي يحملها أنه زعيم لجميع الإيرانيين وليس لفصيل واحد فقط داخل المؤسسة.

وبتبني النظام الحاكم سياسة الاعتقالات فقد تحولت حركة الاحتجاجات إلى حركة راديكالية. وحتى صانعو الاتفاقات المشبوهة أمثال هاشمي رافسنجاني، الرئيس السابق الذي بات الآن من معارضي أحمدي نجاد، أوضحوا أنهم لن يقبلوا أي صيغة من شأنها أن تترك «الفائز بأغلبية ساحقة» في الحكم.

وتشير دراسة لأكثر عشرين شعارا شعبية استخدمها المتظاهرون في أنحاء البلاد إلى تحول واضح في موقف تغيير النظام. وحتى الشائعات التي أثيرت حول دراسة النظام الحاكم سيناريوهات لتنحية أحمدي نجاد، ظاهريا «لأسباب صحية»، بعد بداية العام الإيراني الجديد في شهر مارس (آذار) المقبل، أخفقت في أن توقف انتشار الأفكار التي تنادي بتغيير النظام الحاكم.

ونظرا للوضع العام في البلاد، تخلى كل من موسوي وكروبي عن حديثهم السابق بشأن الانتقادات الموجهة لأسس الدستور الحالي.

والأكثر أهمية من ذلك هو أن موسوي ربما يكون قد أجل خططه لإنشاء «المنظمة الخضراء»، إذ أدرك أن الحركة المناهضة للنظام الحاكم كبيرة ومتنوعة للغاية، لذا لا يمكن احتواؤها في إطار مسيطر عليه مركزيا.

إن التنوع والتعددية في هذه الحركة جعل من الصعب على النظام الحاكم احتواؤها وهزيمتها نهائيا. وعلى مدار الأسابيع الثمانية الماضية، جرى اعتقال آلاف الأفراد ولقي مئات آخرون مصرعهم في الشوارع. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن «قطع الرؤوس» الذي توعد به الجنرال جعفري قد أسفر عن أية نتائج.

ولجعل الأمور أكثر سوءا بالنسبة للنظام الحاكم، بدأ رجال الدين الشيعة، الذين يُنظر إليهم غالبا على أنهم العمود الفقري للنظام الخميني، ينأون بأنفسهم عن الربط بين خامنئي وأحمدي نجاد.

وأعرب بعض آيات الله مثل الراحل حسين علي منتظري وبيات وصانعي وبروجردي وأمولي وزنجاني عن قلقهم الخاص إزاء ادعاء أحمدي نجاد كونه على اتصال بالإمام الغائب.

كما يواجه تحالف أحمدي نجاد - خامنئي انتقادات بعدم أهليته. حيث يعاني الاقتصاد في البلاد من الانهيار في ظل ارتفاع معدلات التضخم وهروب رؤوس الأموال ووصول معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة. وفي الوقت ذاته من الانقسامات داخل الزمرة الحاكمة فلم يعد الرئيس قادرا على ملء عشرات المناصب الرئيسية في المستويات المتوسطة للحكومة.

وأصبح النظام الخميني الحاكم، والذي يفقد شعبيته سريعا، معتمدا بصورة كبيرة على قواته العسكرية، خاصة الحرس الثوري الإسلامي بقيادة الجنرال عزيز جعفري.

في وقت ما، قد يقرر الجنرال ورفاقه أنه ليس أمامهم شيء ليكسبوه بالمخاطرة بحياتهم وثرواتهم في الدفاع عن نظام قد يكون انقضى أجله. وفي هذه الأيام، يظهر قادة الحرس الثوري الإسلامي على شاشات التلفزيون كل ليلة تقريبا ليقدموا أنفسهم على أنهم «حماة النظام». ويقول جعفري نفسه إنه معجب «بالنظام التركي»، الذي يتصرف فيه الجيش على أنه حامي الجمهورية.

ومع ذلك، قد لا يكون أمام الجنرال وقت طويل ليفكر في خطوته المقبلة، حيث تأخذ حركة المعارضة في النمو والتعمق. ويجري الآن بذل الكثير من الجهود لربط هذه الحركة بالنقابات العمالية المستقلة ومئات الجمعيات النظامية وغير النظامية التي تقود حرب المجتمع المدني ضد شرور الخمينية.

ودخلت إيران إحدى هذه المراحل، التي يتردد فيها التاريخ بشأن الطريق الذي يتحول إليه. وما هو مؤكد هو أن الوضع الحالي أصبح لا يحتمل. وعلى الرغم من خطر سيطرة الجيش على مقاليد الأمور، فقد لا يزال أمام إيران فرصة للمضي قدما في نظام حكم قائم على التعددية.