هكذا نمت

TT

بعض الناس لا يستحقون المرافقة ولا الصداقة ولا حتى السؤال عنهم، مثل ذلك «الشخص» الذي جمعتني به الصدفة المحضة، الله لا يعيدها من صدفة، وذلك في بلد أجنبي ووجدت أنني أسكن معه في فندق واحد وفي طابق واحد كذلك، وبشيء من مجاملتي أو «جنتلتي» أو كياستي أو «تياستي» - سموها ما شئتم - اضطررت أن أسايره وأتعشى وأقضي الهزيع الأول من الليل معه في جلسة مناقشة «بيزنطية» ليس فيها أي فكاهة ولا مزية، كنا خلالها نتجرع أكواب الشاي بأمن وأمان تحف بنا أجنحة السلام، وكأي مناقشة أو مجادلة لا بد أن يكون هناك اختلاف في وجهات النظر، وهذا هو الشيء الطبيعي، غير أنني فوجئت بذلك «الشخص» يحتد بالكلام ويرفع صوته، ثم يشهر إصبع سبابته في وجهي محذرا لمجرد أنني لا أوافقه على بعض آرائه، وبحركة بهلوانية أزاح كرسيه وأسقطه أرضا وقام واقفا وأعطاني «عرض أكتافه»، دون أن يقول لي تصبح على خير، بل ودون أن يدفع حساب طلبه، وهذا هو الذي «نرفزني» أكثر.

تعوذت من إبليس، وكبحت جماح غضبي، وقلت بيني وبين نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله، «إيه اللي طببني» مع هذه العلّة؟! دفعت الحساب صاغرا أو مضطرا وذهبت إلى غرفتي.

وفي الصباح وبينما كنت جالسا في «اللوبي» أدندن في سري بمقطع من أغنية منقرضة، وإذا به ينزل ويقبل نحوي، وغلبتني مجاملتي التي جبلت عليها، متناسيا كل نزقه الذي جابهني به في الليلة البارحة، فتبسمت في وجهه بطيبة خاطر وسألته أريد أن أطمئن عليه وقلت له: كيف نمت؟! فنظر لي بعين تقدح شررا قائلا: تبغي تعرف كيف نمت: هكذا نمت. وذهلت عندما رأيته يتمدد بحذائه على الكنبة العريضة، وأغمض عينيه وأخذ يتظاهر بالشخير بصوت مرتفع يزلزل أركان المكان، إلى درجة أنه لفت نظر كل الزبائن والسياح وموظفي «الرسبشن»، الذين أخذوا يتطلعون باستهجان غير مصدقين لما يشاهدونه، ووقعت بحرج شديد، خصوصا أنهم يعرفون أنه من بلدي، ويظنون أنني أنتمي له بقرابة أو صداقة، وأخذت أتلفت يمنة ويسرة وأبادلهم النظرات ولا أدري هل أعتذر لهم، ولكن ماذا أقول؟!

تركته ممددا كما هو بحذائه وشخيره وخرجت من الفندق وألعن فيه اليوم الذي جمعني به، وتيقنت أن كل حركاته الصبيانية المخجلة تلك إنما هي احتجاج على مخالفتي لآرائه الجاهلة في الليلة البارحة، وهكذا هم بعض الناس، ولكن تدرون؟! إنني أستاهل كل الذي جرى لي، ولماذا أساسا أسأله كيف نام؟! إن شا الله عمره ما نام، وأنا مالي، صحيح أنني ملقوف.

***

الدماغ البشري يحتوي على «12 مليار» خلية، وهذه حقيقة مؤكدة، غير أنني متأكد كذلك أن الغالبية العظمى من هذه الخلايا، البطالة ضاربة أطنابها عليها.

***

كنت أسير في الشارع مع صديق - وهو بالمناسبة مختلف نهائيا عن ذلك «الشخص» صاحب الحذاء والشخير الذي حدثتكم عنه في الفقرة الأولى من هذا المقال.

المهم بينما كنا سائرين، وإذا بامرأة حبلى وهزيلة ونحيفة جدا تواجهنا ثم تتجاوزنا، وقلت له على سبيل التفكه: صف لي تلك المرأة.

فقال: إنها خيط فيه عقدة.

[email protected]