كتب كثيرون من الصحافيين العرب، بينهم الداعي لجنابكم بطول العمر، عن «برج خليفة» في دبي، أعلى أبراج العالم، منذ أن بنى المسيو إيفل برجه الفولاذي وجعله علامة باريس الفارقة والمضيئة. كتبنا عن ارتفاع البرج، وعن تكاليفه، وعن نسبة الشقق التي بيعت فيه، وعن الأضواء المذهلة التي أضاءت سماء دبي ليلة الافتتاح، وعن الحدث بحد ذاته باعتباره تحديا للأزمة الاقتصادية التي مرت بها مدن الناطحات، من نيويورك إلى شارع الشيخ زايد.
ثم جاء الصحافيون الأجانب يكتبون، فماذا كتبوا؟ بدأوا يا مولاي أولا، بذكر اسمَي المهندسَين اللذين صمما هذه التحفة الهندسية: أدريان سميث ووليم بيكر، من شركة «سكيدمور، أو ينغر وميريل». وأخبرونا أن سميث هذا ترك العمل خلال الإنشاء، فأكمله بيكر مع رفيقه جورج إستماتيو واريك توميك. أما لماذا كلفت دبي هذه الشركة لا سواها، فلأنها يا سيدي مختصة في بناء الأبراج التي لا يمكن أن ترى قمتها إلا في السماء. وهمسوا في آذاننا أن اختلاف التصميم عند كل قطعة من البرج هدفه خداع الريح وعدم تمكينها من تشكيل هبة هجومية تضرب هذا المرتفع الفولاذي الزجاجي الجميل.
ثمة وسائل كثيرة في تغطية الأحداث والكتابة عنها. لعلنا لا نزال بعيدين جدا عن النظر بطريقة علمية إلى الأشياء التي هي إنجازات علمية قبل أي شيء. وقد تجاوزت دبي أبراج العالم المعروفة، من أميركا إلى الصين، مرورا بماليزيا، لأن العلوم الهندسية أصبحت قادرة على إنشاء معلم مثير، يطل على الصحراء والخليج، كما تطل الجبال على المتوسط.
كل إنسان يرى الأشياء بمنظوره. هذه حكايات قديمة لا جديد فيها منذ «كليلة ودمنة»، لكن الصحافة الحديثة، التي تجاوزتنا، لم يعد مسموحا لها تجاهل القواعد الأولية في تغطية الأحداث. وهي قواعد بديهية يفترض أن يعرفها الصحافي في بداية عمله. و«برج خليفة» هرم حديث، لكننا لم نعد في زمن الأهرامات لكي لا نعرف من هو مهندسها أو كيف بنيت ومن بناها. وقد سكنت طويلا في سفح البرج وهو يرتفع، ولم يخطر لي مرة أن أتساءل كيف. ولا أعرف سوى شيء واحد يتداوله الجميع: سعر القدم المربع. وما همني أن أعرف أن مساحة البرج الداخلية 3 ملايين قدم مربع. كان لا بد من صحافي أجنبي يطرح هذه الأسئلة.