مسؤولون لا يعجبهم العجب!

TT

يحكى أن جزارا كان ينظر نحو نافذة محله وإذا بكلب صغير يدخله عليه، فسارع إلى طرده. وبعد مدة عاد الكلب مرة أخرى فنهره الجزار بشدة، ولكنه فوجئ حينما رأى ورقة صغيرة في فم الكلب كتب عليها «لو تكرمت أريد فخذا من اللحم و12 قطعة من النقانق»! وكان الكلب يحمل في فمه أيضا المبلغ المطلوب! دهش الجزار لما يراه، لكنه استجاب لما طلب منه، وعلى وجهه علامات الذهول، ووضع الطلب في كيس علق طرفه في فم الكلب. وبما أن وقت إغلاق المحل قد أزِف، فقد قرر الجزار أن يغلق محله ويتبع هذا الكلب العجيب. وواصل الكلب مسيره في الطرقات يتبعه الجزار خفية، وكلما وصل الكلب إلى نقطة عبور مشاة وضع الكيس أرضا وقفز ليضغط بفمه على زر إشارة العبور، وينتظر بكل هدوء، ثم يعبر بعد إضاءة الإشارة باللون الأخضر. وعندما وصل الكلب إلى محطة للحافلات بدأ ينظر نحو لوحة مواعيد وصول الحافلات، بينما الجزار يراقبه باستغراب، بل وازداد ذهوله عندما قفز الكلب إلى الحافلة فور وقوفها. لحقه الجزار - من دون تردد - وجلس على مقربة منه، ولما اقترب الموظف المسؤول عن جمع التذاكر من الكلب أشار الأخير إلى تذكرة بلاستيكية علقت في رقبته، واكتفى الموظف بإلقاء نظرة سريعة عليها ليواصل سيره. لم يصدق الجزار وباقي الركاب ما يرون. وعند اقتراب الحافلة من المحطة القريبة للوجهة التي كان يقصدها الكلب، توجه إلى المقعد المجاور لسائق الحافلة وأشار إليه بذيله أن يتوقف. نزل الكلب بثقة كما ينزل ركاب الحافلات، فانطلق نحو منزل قريب، حاول فتح الباب لكنه وجده مقفلا، فاتجه نحو النافذة وجعل يطرقها مرات عدة برأسه. في أثناء ذلك، رأى الجزار رجلا ضخما يفتح باب المنزل صارخا وشاتما في وجه الكلب المسكين، ولم يكتف بهذا، بل ركله بشدة كأنما أراد تأديبه. لم يتمالك الجزار نفسه من شدة قسوة المشهد فهرع إلى الرجل ليمنعه وقال: «اتق الله يا رجل في هذا المسكين فهو كلب ذكي جدا، ولو أن وسائل الإعلام علمت به لتصدر جميع نشراتها الإخبارية». فأجاب الرجل بامتعاض شديد: «هذا الكلب ليس ذكيا بل هو عين الغباء، فهذه هي المرة الثانية في هذا الأسبوع التي ينسى فيها مفاتيح المنزل»!!

مغزى هذه القصة، التي أرسلها لي أحد القراء وترجمتها إلى العربية بتصرف، أن هناك أشخاصا متميزين ومبدعين في أعمالهم وينالون إعجاب من حولهم، لكنهم يعانون من مشكلة «عدم تقدير مسؤوليهم» لهم في العمل. فهؤلاء المسؤولون «لا يعجبهم العجب»، حتى وإن كان لديهم أكفأ الموظفين الذين قد يحسدهم الآخرون عليهم. والملاحظ أن من هؤلاء الموظفين من يمضون جُل نهارهم بجد واجتهاد أملا في أن يظفروا بشيء من التقدير اللفظي أو المادي، ولكن آمالهم سرعان ما تتبخر أمام رؤساء لا يرون إلا ما هو سلبي في العاملين، فهم ليس لديهم «عين النحلة» التي ترى الورود الجميلة بل «عين الذبابة» التي لا ترى سوى الأشياء السلبية.

ولا شك في أنه يقع على عاتق المديرين مسؤولية البحث عن نقاط القوة في العاملين معهم، حتى يحسنوا توظيف هذه الطاقات بالشكل السليم ليرتقي عمل الإدارة ويسودها جو من المودة والإخاء. ربما يحتاج بعض المسؤولين إلى التغاضي عن سلبيات بعض الموظفين أو نقاط ضعفهم أو زلاتهم، خصوصا إذا كانوا متميزين في أدائهم العام. ومن منا لا يخلو من العيوب، فالكمال لله وحده.

[email protected]