لم توفر فتح، وحماس، والفصائل الفلسطينية، رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض من الانتقاد على أثر مشاركته في مؤتمر «هرتسيليا» السنوي بإسرائيل، الذي يعتبر أرفع مؤتمر يعقد هناك لمناقشة السياسات والاستراتيجيات الأمنية، كما لم يوفره الإسرائيليون أنفسهم من الانتقاد.
ومن الواضح أن فتح هاجمت فياض في عملية مزايدة واضحة على حماس، والفصائل الأخرى، بينما هاجمت حماس، والفصائل، فياض لتصفية حسابات سياسية لا أقل ولا أكثر. لكن ما يجب أن يقال هنا هو أن رئيس الوزراء الفلسطيني رجل شجاع بمعنى الكلمة، وهكذا يجب أن ينظر لمشاركته في مؤتمر «هرتسيليا».
سلام فياض لم يذهب للمؤتمر الإسرائيلي لالتقاط الصور، بل ذهب في عقر دارهم ليسمعهم ما يجب أن يسمعوه، وذلك أفضل بكثير مما تفعله حماس من دمشق. فياض ذهب، وقال إن بناء الدولة الفلسطينية قد بدأ فعليا منذ سنتين، وإن البنية التحتية في طريقها للإنجاز، وإن الدولة الفلسطينية جاهزة للإعلان في عام 2011، وإنه لا يحتاج إلى اعتراف إسرائيلي، وإن هذا أمر بيد المجتمع الدولي، وإذا أراد الإسرائيليون التعاون فعليهم الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، والشروع في التفاوض الجاد.
ذهب فياض ليقول للإسرائيليين لا أمن لكم طالما لا أمن للفلسطينيين، وإن الأمن الفلسطيني يجب أن يكون بيد الفلسطينيين أنفسهم، وليس إسرائيل. كما قال للإسرائيليين إن عمليات بناء الاستيطان لا بد أن تقف، ولا بد من الانسحاب من المستوطنات الحالية لأنها أراض فلسطينية، وأكد على أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين القادمة. ولم يقف فياض عند ذلك الحد، بل هاجم إسرائيل على ما تفعله بحق غزة، وسياستها ضد حماس.
مشاركة فياض، وكما أسلفنا، لم تكن لالتقاط الصور، وإنما جاءت لتضع حدا لماكينة الدعاية الإسرائيلية التي لا تتوقف عند عدم وجود طرف فلسطيني على الجانب الآخر من المفاوضات، أو عدم وجود طرف فلسطيني راغب في العملية السلمية. ولذا فإن مشاركة فياض تستحق أن تدعم، ويستحق الرجل الوقوف معه، لا التهجم عليه من قبل الفلسطينيين ووصف مشاركته بالانفلات السياسي، فالانفلات السياسي هو حال الفلسطينيين اليوم، كيف لا ونحن نرى إسماعيل هنية نفسه يدعو الأميركيين علنا للتفاوض مع حماس؟!
فعندما يتحدث فياض في مؤتمر أمني إسرائيلي ويقول لهم لا أمن لكم دون أمن للفلسطينيين فإن كلامه أقوى بكثير مما يقوله مشعل في دمشق، والدليل أن الإسرائيليين انقسموا حول مشاركة فياض، خصوصا عندما وصفه شيمعون بيريس بأنه «بن غوريون الفلسطيني». حيث قال بيريس إن بن غوريون بنى دولة إسرائيل على الأرض قبل عشرات السنين من قيام إسرائيل، وإن فياض اليوم يفعل الشيء نفسه.
وبالطبع لا يهم إن شهد بيريس لفياض أم لا، الأهم أن رسالة فياض قد وصلت للإسرائيليين، والمجتمع الدولي، وهذا عمل أهم بكثير من آخرين ليس لديهم إلا الصراخ. ولذا نقول إن فياض رجل شجاع.