يبدو أن حكومة الرئيس أحمدي نجاد لا تنتهي من خلاف إلا وتقع في آخر، الدور الآن على روسيا. بين البلدين أزمة فواتير وبضائع لم تصل. تقول طهران إنها دفعت للروس ثمن صواريخ «إس 300» ولم يرسلوها، على الرغم من أنها في مستودعاتهم. وتقول طهران إن الروس، على عادتهم في نهاية كل عام، أعلنوا أنهم لن يستطيعوا إكمال مفاعل بوشهر النووي في موعده، مع أنهم أيضا أخذوا قيمته. ثم تولى دفة المعركة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد شخصيا، وقال إنه على الروس أن يدفعوا أكثر من الصواريخ التي لم ترسل، والمفاعل النووي الذي لم يكتمل بناؤه. على الروس أن يدفعوا لإيران أيضا ثمن استعمارهم مناطق إيرانية قبل مائتي عام! ولا بد أن الروس يضحكون في الكرملين، وهم الذين لا ينوون أن يعيدوا له أموال الصواريخ والمفاعل.
وإذا كان نجاد يظن أنه يستطيع إذلال مواطنيه الإيرانيين، ويسرق أصواتهم، ثم يحاكمهم باسم محاربة الله ورسوله، فإنه أمام الروس لا يستطيع فعل الكثير. أخذوا أمواله وساوموا على صواريخه ومفاعله النووي مع الأميركيين مقابل تنازلات إضافية.
منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بدأت العلاقة تتوتر عندما صرح الرئيس الروسي بأن المشروع النووي الإيراني يجب أن يكون واضحا أنه لأغراض سلمية. وفي اليوم التالي، فاجأ وزير الطاقة الروسي الإيرانيين بتأجيل جديد لبناء المفاعل وأنه لن ينتهي في آخر السنة (2009). هذا جعل النواب المحسوبين على الرئيس نجاد يتقافزون شتما في الحكومة الروسية. المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني قال إن «الروس يتلاعبون بنا منذ عشرين عاما في بناء مفاعل بوشهر، ولو انتظرناهم مائتي سنة أخرى فلن يبنوه. همهم الوحيد استغلالنا لخدمة مصالحهم مع الغرب».
كل ما يمكن أن نعلق به على هذا الاكتشاف المتأخر أن نقول له «صباح الخير». المشروع النووي برمته لا يخدم الشعب الإيراني سواء كان لأغراض سلمية أو عسكرية، لا يمنحه الطاقة ولا الأمن، بل يزيد من حصاره سياسيا وفقرها اقتصاديا. هذه هي الحقيقة التي لا ترضي عادة الأنظمة الديكتاتورية التي جل همها تكبير قدراتها العسكرية مهما كان الثمن. المشروع النووي يرضي غرور أهل السلطة ويوهمهم بأنهم قوة كبرى أمام منافسيهم. ولا توجد دولة نووية واحدة استفادت منه قط منذ الحرب العالمية الثانية؛ أميركا هزمت في فيتنام، وتنازلت عن ثلث العالم لروسيا ولم تستطع استخدام رأس نووي واحد. وإسرائيل لا تستطيع إلى اليوم فعل الكثير أمام صواريخ حزب الله إلا بالحرب التقليدية. وقبلها لم تستطع صد هجوم السادات عليها في حرب 73، ولم تفعل غير درء الهزيمة بترسانتها العادية.
ولأن حكومة طهران قررت الآن أن تفتح النار على الكرملين، فجأة صارت روسيا في الإعلام الرسمي الإيراني دولة شريرة، بعد أن كانت تسميها من قبل صديقة الشعوب التواقة لمواجهة الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة! صارت موسكو وفق حكومة نجاد صاحبة تاريخ مشين في حق الشعب الإيراني، مستشهدة بأن روسيا سرقت أراضي إيرانية بين أعوام 1813 و1827، وأنها سرقت الكافيار الإيراني في بحر قزوين في وقت ضعفت الحكومة منذ 1927 حتى منتصف الخمسينات، وأنها خانت اتفاقية ثنائية بألا تتصرف موسكو في المصادر الطبيعية في بحر قزوين عندما وقعت مع ثلاث دول أخرى مطلة على البحر نفسه.
وإذا كانت الخلافات بالفعل بمثل هذا العمق فإنه من الطبيعي أن تسعى روسيا لمنع إيران من التسلح النووي.
الحقيقة جلية، وهي أن إيران في حال سياسية مزرية تجعلها تشغل نفسها بحروب بعيدة، تتجاهل مشكلاتها الداخلية الخطيرة بإرضاء طموحات تعبر عن جنون عظمة عند قيادتها أكثر من كونها مصلحة وطنية عليا، كما تقول.