الانتقام من طالبان من ارتفاع 1000 قدم

TT

يبدو أن الولايات المتحدة وباكستان تبنتا في عمليتهما المشتركة ضد مقاتلي طالبان المختبئين في المناطق القبلية المنطق الحربي «انتقم لكن دون استخدام قواتك».

فمنذ مطلع عام 2010 زادت الولايات المتحدة من هجمات طائراتها، «بريداتور» من دون طيار، بدعم كبير من باكستان. وكانت أبرز نتائج تلك الهجمات مقتل زعيم طالبان، حكيم الله محسود، وكبير قادته، كريم الله حسين، الذي درب انتحاريي طالبان والعناصر الرئيسية الأخرى في التمرد. كما صرح بذلك أحد المسؤولين البارزين في الإدارة الأميركية يوم الثلاثاء.

وعلى الرغم من أن طائرات «بريداتور» تطلق صواريخ «هيل فاير» من ارتفاع 1000 قدم، فإنها لا تخطئ في إطار حملة مكثفة ومتواصلة من الاغتيالات. وقد تواصلت الحملة يوم الثلاثاء مع إطلاق ما لا يقل عن 17 صاروخا في شمال وزيرستان في هجوم واضح على قادة طالبان و«القاعدة».

هذا الهجوم الضاري، الذي بدأ هذا العام في أعقاب التفجير الانتحاري لقاعدة تابعة لوكالة المخابرات المركزية في إقليم خوست بأفغانستان في 30 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كان نشطا في استهداف مقاتلي طالبان عبر الحدود. وقد أسفر التفجير الانتحاري عن مقتل 8 من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية، ما ترك الوكالة متلهفة على تصفية الحسابات. وهو تحديدا ما قامت به الوكالة بدعم من الاستخبارات الباكستانية.

كان حكيم الله، الذي أصيب في 14 يناير (كانون الثاني) الماضي، قد ظهر في شريط فيديو مع العميل الأردني المزدوج الذي نفذ تفجير خوست، ليعلن مسؤوليته عن موجة الهجمات الإرهابية في أنحاء باكستان.

وعلى الرغم من انتقاد باكستان هجمات الطائرات من دون طيار بصورة علنية، إلا أن مسؤول الإدارة ذكر أن الحملة الأخيرة «تتم بالتنسيق الكامل والتعاون» مع الحكومة الباكستانية. وأضاف: «كنا سعداء بهذا المدى الواسع من التعاون»، وأشار المسؤول إلى أن منطقة الإحداثيات الجغرافية التي سمح الباكستانيون لطائرات «بريداتور» بالعمل فيها واسعة بما يكفي لشن هجمات على الأهداف «المتباعدة جغرافيا».

باكستان هي الأخرى لديها من الحسابات ما تصفيه مع طالبان التي امتدت تفجيراتها من بيشاور إلى لاهور، فقد كانت الاستخبارات الباكستانية هدفا خاصا عبر استهداف كبار ضباطها ومقارها الإقليمية، ولعل ذلك يأتي كأحد الأسباب وراء تعاون باكستان، حيث أثارت تلك الهجمات غضبها ودفعها إلى الانتقام.وقال المسؤول البارز في الإدارة: «أصبح الأمر بمثابة ثأر شخصي لجهاز الاستخبارات الباكستانية، الذين غضبوا من استهداف زملائهم، فعمد الضباط الباكستانيون إلى مساعدة وكالة الاستخبارات المركزية في جمع معلومات الاستخبارية في المناطق القبلية. وقد منحت هجمات (بريداتور) الباكستانيين فرصة لالتقاط الأنفاس». وكان مسؤولون أميركيون قد عبروا عن إحباطهم العام الماضي من أنه على الرغم من مباركة إسلام آباد هجمات على مقاتلي طالبان الباكستانيين، الذين شنوا تفجيرات على الأراضي الباكستانية، فإنهم كانوا مترددين في ضرب المسلحين المرتبطين بحركة طالبان الأفغانية، مثل شبكة حقاني وما يسمى مجلس شورى كويتا، الذين كانوا يقتلون الجنود الأميركيين. لا يزال هذا القلق يساور المسؤولين الأميركيين، لكنهم أشاروا إلى بعض التوسع في الأهداف.

وأوضح المسؤول أن الباكستانيين يدركون الآن أن هناك «اندماجا بين هذه المجموعات إلى حد كبير، وبالنسبة لنا فإنه دليل على التواطؤ. وقد أدرك الباكستانيون، أيضا، أن المنظمات المسلحة تعمل عبر الجماعات الأخرى».

يمتد التعاون الأميركي الباكستاني ليشمل أنشطة أخرى كذلك. فقد قال مسؤول كبير في البنتاغون يوم الثلاثاء إن العمليات العسكرية المشتركة في باجور، منطقة القبائل المتاخمة لأفغانستان، كانت «أكثر تنسيقا» عبر الجانبين من الحدود.

يأتي التعاون على الرغم من الروايات بشأن الخلافات بين الجانبين، كما كان الحال خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع روبرت غيتس لباكستان. وقال مسؤولون من كلا البلدين يوم الثلاثاء إن تلك التقارير مبالغ فيها. فعلى سبيل المثال، قال مسؤول عسكري باكستاني، بعد يوم من التقارير التي أشارت إلى أن الباكستانيين سيؤجلون أي هجوم في شمال وزيرستان، إنهم شنوا غارات جوية هناك. كما كانت شمال وزيرستان هدفا لوابل صواريخ «بريداتور».

وقد تبين الدور العسكري الأميركي في باكستان عبر الحادثة الدموية التي وقعت يوم الأربعاء، والتي كان بين ضحاياه 3 جنود أميركيين قتلوا في انفجار سيارة ملغومة في منطقة حدودية تعرف باسم «لر دير». وكان الجنود الأميركيون جزءا من مجموعة مؤلفة من نحو 80 عنصرا من القوات الخاصة الذين يقومون بتدريب قوات حرس الحدود الباكستانية العاملة في المناطق القبلية. وقال مصدر باكستاني، يوم الثلاثاء، إن قوات حرس الحدود كانت تصعد من عملياتها ضد المسلحين في المناطق القبلية مثل باجور، وأوراكزاي، وخيبر، وكورام.

التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان لا يزال قائما، ومن غير المتوقع أن تعلن إسلام آباد عن نجاح هجمات الطائرات من دون طيار. ولكن قتل المدنيين الباكستانيين والهجمات الوقحة على الجيش في البلاد جعلت الباكستانيين راغبين في العودة إلى الكفاح.

وقد أصبحت كلمة «هجمات من دون طيار» عبارة دارجة في اللغة الأردية، ولكنها لم تعد تثير الاستياء كما كانت قبل بضعة أشهر، عندما مارس الانتحاريون عملهم الدموي في المدن والبلدات الباكستانية.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»