نقاش حول اليمن

TT

كتبت في الأسبوع الماضي مقالا بعنوان: «تاجر السلاح اليمني»، واستمتعت أكثر عندما قرأت الردود عليه، أحدها ربط بين عنواني ومسرحية تاجر البندقية، الحقيقة لا يوجد رابط بين المرابي تاجر البندقية وتاجر السلاح اليمني، سوى أن الاثنين يتاجران بلحوم الناس.

تاجر السلاح اليمني مجرد خيط يرشدنا إلى فهم تضاريس اليمن السياسية. وتعليقا على أهمية سوق السلاح في اليمن، نورنا الأخ عبد الرحمن المرعشلي بمعلومة جديدة، يقول: «هل تعلم أنهم في اليمن يبيعونك (رشاش عوزي) لو أردت، وبالنسخة الإسرائيلية؟ وهناك (رشاش عوزي) إيراني أيضا، ويتسلح به حرس الرئاسة الإيراني. والفارق بين السلاحين طريقة التصنيع، فاليهود في كل صبّة يضيفون كربونا لتبريده وعزل الحرارة، النتيجة أنك تستخدم 10 أمشاط وتبقى البطانة باردة، أما الإيراني فسريع التسخين، ولكنه جيد بشكل عام».. لا أستطيع أن أجادله، لأن ثقافتي العسكرية محدودة، لكنني أعرف أن اليمن سوق سلاح سوداء كبيرة يهرب منها إلى السعودية، وتمول حروب الصومال وغيرها.

أما علي الحميضي فقد تجاوزني، حيث يجزم بأن الحكومة هي وراء اللعبة الحوثية، وتفعل ذلك منذ ثلاثين عاما، يقول: «من تتبع تطور المشكلة الحوثية منذ بدايتها قبل أكثر من خمس سنوات وحتى اليوم، تتبين لمن كان محايدا هذه الحقيقة بوضوح تام. ومع الأخذ في الاعتبار الفارق الكبير من النواحي الجغرافية والطبوغرافية والجيو - سياسية وحتى الاجتماعية والثقافية بين الظروف المحيطة بالمشكلة الحوثية من ناحية، وانتفاضة الجنوب من ناحية أخرى، إلا أن تعامل الحكومة اليمنية مع المشكلتين يختلف اختلافا كبيرا، ولذلك لا داعي للحيرة، ولسان حال الممسكين بزمام الأمور في صنعاء يقول (اللي تكسب به العب به)»، أي أن الحكومة وراء اللعبة الحوثية، لكنها من جهة أخرى لا تمسك بخيوط الحركة الانفصالية اليمنية الجنوبية.

ومن قارئ تكنى بابن يحيى، علق يقول: «اليمن بلد كبير أستاذ عبد الرحمن، ولا شك أن استمرار وجود الرئيس علي صالح في الحكم كل هذه المدة كان نتيجة الحفاظ على كل هذه المتناقضات التي تحكي عنها، وأزيدك من الشعر بيتا: أبناء الشيخ الأحمر مثلا يمثلون ما تحكي عنه من التناقض، فأحدهم نائب رئيس مجلس النواب، والثاني نائب وزير الشباب، والثالث أحد ضباط الحرس الجمهوري، وفي الكفة الأخرى حميد الأحمر يقود المعارضة. إنها المصالح يا عزيزي، وعليكم قبول اليمن بخيره وشره، فليس لكم حيلة في التخلي عنه، وهنا ينطبق ما ورد في الأثر: (يؤجر المؤمن رغم أنفه)».ولا أستطيع أن أنهي الحديث دون أن أعلق على تعليق عبد الله اليافعي، الذي يقول: «لا أعتقد أن هناك عربيا سيذهب في حب اليمن إلى أبعد ما ذهب إليه الجنوبيون، الذين من حبهم لليمن صهروا أنفسهم فيه، وقدموا ثلاثة أرباع مساحة اليمن الحالية، ونحو 80 في المائة من الثروات النفطية، كل ذلك ليصبحوا أقلية مهمشة بين عشرين مليونا أو يزيدون».

أنا، مثل معظم الكتاب، نتحاشى الخوض في القضايا الانفصالية، والحراك الجنوبي انفصالي البرنامج. كلنا نخاف من تبعات تفكيك الدول مهما وقعت فيها من أخطاء ومظالم، فالأمل والحل في إصلاح القيادة، لا في تفكيك البلاد. ولا بد أن أذكّر بأن الجنوبيين هم من طلب الوحدة مع الشمال. وسبق أن كتبت متحسرا على أن تعامل القيادة اليمنية مع الجنوب، الذي كان دولة وتوحدت معها، يعبر عن جهل وسوء إدارة فاضحين.

القيادة فشلت في دمج الجنوب والاستفادة منه، الذي يؤهل البلاد لاستثمارات أضخم، واستقرار أكبر. وبالجنوب، اليمن قادر على أن يكون دولة أكبر في المنطقة، وذات وزن سياسي واقتصادي أعظم. بكل أسف، القيادة اليمنية انشغلت بلعبة التوازنات الصغيرة، ووضعت عينها فقط على الكعكة الصغيرة في الخلافات الشمالية. ورغم هذا الأخطاء ما زلت أعتقد أن دعاة الانفصال يقودون الجنوب، لا اليمن فقط، إلى الكارثة.

[email protected]