حماقة الحماقات الإسلامجية والمسيحجية

TT

لم يكن عالمنا العربي مهبط الأنبياء فقط، بل كان أيضا موطن الأديان. وجد المسيحيون واليهود والصابئة وسواهم مكانهم فيه وتعايشوا مع المسلمين في انسجام ومحبة متبادلة. كتب الأدب والتاريخ العربي مليئة بفصول ذلك. حاربوا معنا ضد الصليبيين وقادونا لفتح الأندلس ووقفوا معنا في جل مواقفنا الوطنية المعاصرة، ضد الاحتلال البريطاني، وضد معاهدة بورتسموث وضد العدوان الثلاثي على مصر. شاركونا في طقوسنا واحترموا شعائرنا ورحبوا بنا في كنائسهم وأعيادهم. أخلص من ناضلوا من أجل فلسطين كانوا في رأيي النصارى العرب.

بيد أن بعض المتشددين من الإسلامجية في تيههم وجهالتهم وخلوهم من أي برنامج عقلاني وأي أهداف استراتيجية مفيدة وممكنة، أبوا أن يتركوا هذا التوازن على حاله. استسلموا لجهالتهم وعصبيتهم وأوقعوا الإسلام والمسلمين الآن في محنة شديدة.

حماقتنا في اضطهاد الموسويين أودت بنا. فقدنا بخروجهم أهم شريحة متعلمة وواعية وغنية ومؤثرة وسلمناها لإسرائيل في طبق من ذهب. واليوم بدأ الإسلامجية في ارتكاب الحماقة نفسها بحق إخواننا النصارى. لكل فعل رد فعل. اضطهادنا لإخواننا الموسويين حولهم إلى أكثر الإسرائيليين تطرفا ضدنا. كل هذا اليمين الإسرائيلي يقوم على أصوات الإسرائيليين من أصل عربي.

وعلى غرار ذلك، أدت هذه الموجة المتعصبة ضد المسيحيين إلى خلق موجة مسيحية متعصبة مقابلة ضد الإسلام والمسلمين، وكما في حالة اليهود، المسيحيون أكثر منا علما ومعرفة وإتقانا للغات الأجنبية ووصولا إلى مصادر المعلومات واستعمالا للإنترنت ووسائل المعلومات والإعلام.

أخذت هذه الفئة المتشددة من النصارى، المسيحجية، تستعمل تفوقها في النيل من الإسلام والمسلمين. هناك الآن شبكات وقنوات ومطبوعات تنشر شتى الفضائح والعيوب والمناقص التي نبشوا عنها في التاريخ الإسلامي والمجتمع العربي. وأعادوا صياغتها وسبكها وتفسيرها بطريقتهم المغرضة.

من ذلك سعيهم لإثبات أن الدين الإسلامي دين إرهابي، لا إنساني، يضطهد المرأة وينكر حقوقها ويشجع الشذوذ الجنسي والبغاء والاستبداد... إلخ.

وبالطبع، راح الصهاينة يزغردون ويصفقون لهذه الحملة. والتقى البحران في حصيلة رهيبة من الطعن في العرب والمسلمين والإسلام.

هل كنا بحاجة لمثل هذا؟

غادر ألوف المسيحيين الآن ديارهم وبيوتهم وأموالهم في العراق وهاجروا إلى الغرب. وبخروجهم، فقد العراقيون هذه الشريحة المتعلمة والمتنورة والواعية والقادرة والمؤمنة حقا، وليس زيفا، بالديمقراطية. رحب بهم الغرب، لا عطفا عليهم كنصارى بل طمعا بما حملوه معهم من مؤهلات وخبرات؛ فالكثير منهم أطباء ومهندسون.

والمؤلم حقا أن يقع ذلك في هذه المرحلة التي تجاوز فيها عدد المسلمين أكثر من ربع سكان العالم وامتلكوا مصادر الطاقة وأخذوا يشكلون أقليات كبيرة في الغرب وراح قادة العالم، وحتى كهنتهم، يسعون لتفهم الإسلام واحتضانه ويتكلمون عن لقاء الحضارات وحوار الحضارات، ثم تأتي هذه الفئة من المتشنجين لتقلب المائدة. لا عجب أن آمن البعض بأنها جزء من مخطط صهيوني.