أسود وأبيض

TT

كانا، في الستينات، من أشهر كتاب أميركا. الأول، أسود، كان جده عبدا. الثاني، أبيض، كانت جدته مستعبدة. الأول، جيمس بولدوين، بدأ بالغ الفقر. عام 1960 لم يكن لديه مأوى. دعاه الثاني، وليام ستايرون، إلى مشاركته شقته الصغيرة في ولاية كونيكتكت. الأول، كان معبأ بالغضب، وريث الظلم الطويل، يكرر لصديقه: «أنت لا تعرف معنى أن يبصق عليك! أنت لا تعرف معنى أن تدخل إلى مقهى ويرفض النادل أن يخدمك! أنت لا تعرف طعنة النظرات في محطة الباص». الأبيض، كان يقول إن جدته كانت تعامل عبدتيها بكل محبة، وكانت تحيك لهما كنزات الصوف، وتحدب عليهما.

لكن الكاتبين لم يتفقا. ومضى بولدوين يكتب سيرة الاضطهاد والعبودية حتى أصبح أشهر كتاب أميركا السوداء: «اذهب وأعلن ذلك من فوق قمة الجبل»، و«النار سوف تشتعل في المرة المقبلة»، و«ثمة وطن آخر». أما الكاتب الأبيض فوضع أشهر كتبه «مذكرات نات تورنر» وهو أيضا عن العبودية. التي أثقلت على تاريخ أميركا ولم تعتقه بعد.

طبعا، هناك أوباما. طبعا قطعت أميركا مسافة طويلة وعميقة في النفق العنصري القائم. لم يتغير لونها فقط في البيت الأبيض، بل تقريبا في كل مكان. أصبح خليطا من الأبيض والأسود، أو خلاسيا، كما يقال. لقد أصبح الأسود ثريا، وعالما، وأستاذا جامعيا، ووزيرا، وسفيرا، وموظف الاستقبال في الفنادق التي كان يمنع من الدخول إليها، وهو يلعب الدور الأول في الأفلام وليس أدوار الخدم أو المخبرين أو مروجي المخدرات.

عندما جئت إلى نيويورك قبل ثلاثة عقود، كان اللون الأبيض لا يزال طاغيا. وكان المشردون السود يملأون المدينة. وكان سائق التاكسي يتحاشى المرور في هارلم في الطريق من أو إلى مطار كينيدي. والآن، للمرة الأولى في تاريخه، أصبحت أكثرية سكان هارلم من البيض.

نصف قرن على يوم انتقل جيمس بولدوين للسكن مع وليام ستايرون. فاتنا القول، كلاهما، الأسود والأبيض، جنى ثروته وصنع شهرته من الكتابة عن العبودية. وقد انتقل بولدوين من ذكريات العذاب في نيويورك، لكي يعيش في أعالي سان بول دو فانس، جنوب فرنسا، إلى جانب أثرياء العالم، وسط الحدائق المعلقة، وبعيدا بعيدا عن الجوع والفقر والتشرد في أزقة هارلم.