مصافحة مع إسرائيلي

TT

عندما هبط نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيلون من خشبة المسرح، الذي عقدت عليه جلسة أمن الشرق الأوسط في مؤتمر ميونيخ، ليصافح الأمير تركي الفيصل كان مؤكدا أنه يريد أن يسجل قصة أخرى في وسائل الإعلام. ففي إسرائيل تنافس محموم على الصفحات الأولى بافتعال الأخبار أو إطلاق التصريحات المثيرة. كان تعليقه موجها للصحافة في القاعة لجذب الأضواء. بل إن أشهر عمل قام به أيلون في حياته الوظيفية، عندما تعمد إهانة سفير تركيا لدى إسرائيل، فقد أكسبته تلك الحركة تغطية إعلامية هائلة بين مؤيد وناقد. ما حدث في ميونيخ كان جزءا من النشاط الدعائي، وحدث مئات المرات في جنيف ونيويورك وغيرهما من عواصم النشاط الدولي، وحدث مع رؤساء، ووزراء، وممثلين رسميين ذوي مراتب متفاوتة وفنانين ولاعبي كرة ومواطنين عاديين أيضا.

تكرر المشهد المحرج، حيث ليس أمام الأمير إلا أحد أمرين، إما أن يهرب من القاعة أو أن يدخل في مشادة، وهذه ليست من طباعه. كما أن منظمي المؤتمر كانوا قد مروا بأزمة صعبة بسبب الإصرار على إعادة رسم الجلسة، بحيث يخرج منها الأمير تركي الفيصل ووزير الخارجية التركي أحمد أوغلو فلا يجلسان مع المسؤول الإسرائيلي. الوزير التركي، رغم وجود علاقة بين بلده وإسرائيل، لم يشأ أن يجلس مع الرجل الذي أهان سفيره في تل أبيب.

قصة ميونيخ من الإشكالات المتكررة في الموضوع الإسرائيلي، فإسرائيل منذ ثلاثين عاما وهي تسعد بترويج قصة مصافحة أو جلوس في قاعة أو ضمن ندوة. وقد قالت لي صديقة إن الأمر مزعج، جعلها تتوجس من وجود إسرائيلي ما يترصدها في قاعة المؤتمر، مشارك أو زائر أو صحافي أو أستاذ جامعة أو عابر سبيل، ولم يكن ارتيابها وهمًا، حيث صعد إليها من قدم نفسه بأنه إسرائيلي يريد تحيتها وتهنئتها!

الحقيقة أنه شعور مزعج، لأنه يستحيل أن تذهب إلى مؤتمرات دولية دون أن تتعرض لمثل هذا التحرش المتعمد أو الفجائي، ويجد الإسرائيليون متعة في لعبة القط والفأر هذه. ولا أدري متى قرر الدبلوماسيون العرب رفع الحرج عن أنفسهم في الأمم المتحدة ووكالاتها التي من المتوقع دائما أن يشارك إسرائيليون في جلساتها التي تهم منطقة الشرق الأوسط.

الحقيقة أننا وضعنا أنفسنا في هذا الموقف الصعب، وصرنا نهرب من كل مكان يتواجد فيه الإسرائيليون رغم أهمية المناسبة، حتى أصبح جزءا من تكتيك الإسرائيليين لحرمان العرب الممانعين من الحضور والمشاركة السياسية. وهذا بالضبط ما فعله أيلون الذي لم يستسلم لعملية تفكيك الجلسة، بل تعمد إحراج الأمير تركي الذي رفض المشاركة وجلس بين الجمهور. قال أيلون «إن مبعوث دولة ثرية بالنفط ضغط على المنظمين لتقسيم اللجنة لأنه لم يرد أن يجلس معنا». ولم يكتف بذلك بل قال للحاضرين إنه يعبر عن «غياب الاحترام المتبادل والتسامح».

والحقيقة أن الشيخ العواجي لمس الجرح الأسبوع الماضي عندما أثار الغبار بتصريحه أنه يؤيد الظهور في الإعلام الإسرائيلي للرد والمناقشة بدل الانقطاع والتقوقع. طبعا من المستبعد أن تتغير قواعد اللعبة، لكن المطاردة ستستمر.

[email protected]