الاقتصاد الناعم

TT

مصطلح الاقتصاد الناعم، أو Soft Economy، تعبير جميل، فيه الكثير من اللين والمرونة، عكس ما تحمله الصورة الذهنية عن شراسة عالم الاقتصاد وقسوته، وكون صدره يحمل قلبا من ثلج لم يألف الدفء، يعتمد بشكل رئيسي على القوة العضلية في مجالي الزراعة والصناعة، نعرفه في صوت المحركات ورائحة العرق.

أضفى هذا الاسم الحديث لمسة حانية على معنى الاقتصاد، أعني من الناحية المظهرية فقط، فاتخذ شكلا تقنيا رقميا رشيقا، منبثقا من الأفكار الخلاقة والمعرفة الجذابة، وإن أبقى على عمقه البارد.

مؤخرا، صار لمصطلح الاقتصاد الناعم معنى آخر مختلف عن هذا المعنى المعلوم، سمعته أثناء استقبال رئيسة جامعة ولاية ميشيغان الأميركية في جامعة الملك سعود، حيث كان من ضمن المستقبلين عناصر نسائية من تخصصات علمية مختلفة، قدمت نفسها كعناصر مؤثرة في المجتمع الأكاديمي، فأشادت الضيفة بثقة الإدارة العليا لجامعة الملك سعود في القيادات النسائية خاصة الشابة منها. وأكدت الضيفة على ذلك في معرض لقاء آخر جمعني بها لاحقا. خلال الاستقبال، قدم مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبد الله العثمان الحاضرات على أنهن «الاقتصاد الناعم»، مؤكدا إيمانه بتأثيرهن المحوري في تفعيل اقتصاد المعرفة. وكانت هذه هي المرة الأولى التي أستمع فيها إلى هذا التحوير الذكي لمفهوم المصطلح الأصلي، الذي أشعرني وزميلاتي بكثير من الزهو.

منذ زمن ليس ببعيد، لم يمثل دور المرأة في التنمية الاقتصادية في السعودية سوى حالات قليلة تصلح أحاديث مجالس، كونها اجتهادات فردية لا ترقى إلى وحدة العمل الجماعي ولا يمكن أن تؤثر بالنهاية على المحصلة العامة للمنتج المعرفي. ولعل من أهم السلبيات المتولدة عن هذا الحال افتقار السيدات إلى الخبرة العملية التي تُبنى على التجربة والاحتكاك بالواقع. ولكن من جهة أخرى إيجابية تسبب في حالة من الاحتقان والطموح المتراكم والرغبة الجادة في إثبات الذات، يغذيها بشكل أساسي ما يستشعرنه اليوم من تحسن في البيئة الاجتماعية والثقافية العامة.

كانت تلك الفترة المظلمة مُحكمة الإغلاق على كل محاولة أو طرح، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تختار النساء قضاء يومهن في معارك جدلية عقيمة حول الحقوق المُغيّبة، ولكن ما حققنه من إنجازات في مجال البحث العلمي، والتجارب الإدارية القليلة أثبت أن النواعم في حقيقتهن عالم من القوة والإصرار والصبر العظيم، واستثمار هذه القوة وتنميتها أساسي في تفعيل دور الشق شبه المعطل من المجتمع، تفعيلا ممنهجا مدروسا، وليس بروباغندا مسرحية.

إن إطلاق أحد أهم قيادات التعليم العالي في المملكة مصطلح «الاقتصاد الناعم» على الأكاديميات السعوديات ليس ليُمنّيهم بدور سايبيري، ولا تلبية لبروتوكولات الضيافة، بل هو إعلان صريح عن سلوك ضمني حاصل، تضمن منح صلاحيات كانت أشبه بالحلم، وتقديم ثقة كبيرة في المرأة وللمرأة للعب دور الشريك للرجل في التخطيط والتنظيم والتنفيذ، تحقيقا لعلاقة تكاملية مبنية على الثوابت الأخلاقية والمهنية. هذه الثقة وهذه الظروف، هي بمثابة نداءات متواصلة للمرأة الطموحة الناضجة، وبالتأكيد النجيبة، التي تعرف ما تريد، وتعرف أن ما تملكه من مقومات هو رأسمال جاهز للاستثمار.

*أكاديمية سعودية

جامعة الملك سعود

[email protected]