الشطرنج النووي

TT

أخطر ما في لعبة الشطرنج النووي الدائرة منذ 2009 في ما يتعلق بملف تخصيب اليورانيوم في إيران، هي ارتباطها بسياسات وعوامل داخلية سواء في طهران أو في العواصم الغربية المشاركة في مجموعة «5+1» وهي الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا.

ولعل ذلك ما يفسر الكثير من التناقضات والألغاز التي تحيط بالمواقف في هذا الملف، فالحكم الإيراني لديه أزمة داخلية متصاعدة منذ انتخابات الرئاسة في العام الماضي التي شككت المعارضة في شرعيتها واستطاعت أن تجذب معها قطاعا لا يستهان به من الشارع الإيراني نزل في مظاهرات واحتجاجات غير مسبوقة منذ الثورة في 1979.

والمؤسسة الحاكمة في صراعها لتثبيت شرعيتها أمام المعارضة التي أصبح لها رموزها القوية، تستخدم الملف النووي لتدعيم نفوذها داخليا، والحفاظ على قاعدتها من المحافظين والمتشددين داخل المؤسسة الرسمية التي تظهر عليها علامات انشقاق داخلي وعدم ولاء للقيادة، فإذا قدمت عرضا يبدو منه أنه يستجيب جزئيا للضغوط التي تمارسها مجموعة «5+1» فإنها لا تلبث أن تنقضه بعدها كما حدث في الأيام الماضية من سلسلة المواقف المتناقضة حول الاقتراب أو عدم الاقتراب من حل لقضية مبادلة اليورانيوم المخصب.

على الجانب الآخر فإن هناك مؤشرات قوية أيضا على أن العواصم الغربية وهي تنقل قطعها على لوحة الشطرنج إزاء إيران في الملف النووي تضع ضمن رهاناتها الوضع الداخلي في إيران، وموجة التذمر التي ظهرت هناك في الشارع تجاه سياسات المؤسسة الحاكمة، فهي عندما تبحث عن إجراءات للرد على عدم الاستجابة الإيرانية لعرضها بشأن التخصيب، لا تريد أن تقوم بنقلة خاطئة تؤدي إلى حالة اصطفاف إيرانية حول النظام تجعل المعارضة هناك في موقف صعب، إذا حدثت حالة اصطفاف داخلي حول النظام نتيجة الشعور بأن خطرا خارجيا يهدد الجميع.

وهناك عوامل أخرى دخلت على الخط أيضا لتجعل المسألة أكثر تعقيدا، فالسياسة الداخلية في واشنطن أصبحت أكثر تعقيدا مع موجة الهجوم التي يشنها الجمهوريون على إدارة الرئيس أوباما، أن مبادرات حسن النية، وسياسة اليد الممدودة إلى طهران التي استهل بها عهده، لم تصل إلى شيء، وأنها تعرّض الأمن القومي الأميركي للخطر، وجاء تكثيف هجوم الجمهوريين مع بداية هذا العام الذي سيشهد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بما يعني أن القرارات الخارجية للإدارة سيكون لها اعتباراتها الداخلية. وعلى هامش ذلك هناك العلاقات على رقعة الشطرنج الدولية بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا والأطراف الأوروبية التي تتقاطع خلافاتها في قضايا مثل اليوان والدولار والأسلحة لتايوان والناتو وروسيا مع المواقف تجاه الملف النووي الإيراني.

وخلال فترة السنة الماضية، كان يظهر أن هناك حرصا من جميع اللاعبين على المحافظة على رقعة الشطرنج، بحيث لا يقلب أحد الطاولة فجأة على الآخرين، لكن مع بداية العام الحالي بدأت علامات نفاد الصبر مع كثرة التقلبات، والمواقف المتضاربة الإيرانية، فقد اقترب الطريق من نهايته، وكما هو واضح من تصريحات وزير الدفاع الأميركي مع نظيره الفرنسي في باريس أمس فإن الخيار الآن هو المزيد من العقوبات، ويبدو كذلك أن روسيا تؤيد هذا الخيار.

وإذا أخذنا الإعلان الإيراني الأخير عن البدء في زيادة تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20% على أنه ابتزاز كما قال وزير الخارجية الفرنسي لأنها لا تملك الإمكانيات الفنية، فإن هذا يعني أن طهران تقوم بنقلة أخيرة في الشطرنج لتحسين أوراقها في المساومة على اتفاق. خلاف ذلك تبقى الأمور ضبابية ومفتوحة أمام كل الاحتمالات بما فيها غير العقلانية.