بين الأمير ومشائي!

TT

لا يزال خبر المصافحة التي تمت بين الأمير تركي الفيصل ونائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني ايلون، في مؤتمر ميونيخ، طاغياً على الإعلام العربي التحريضي، بل وتحول إلى كرة سياسية في ملاعب الانتهازيين، كما أن الخبر قد منح زخماً لعملية «غسل الأخبار»، التي أفردت لها مقالا في 28 يناير 2009.

وقبل كل شيء فلا بد أن أقول إنني أتفق تماماً مع ما ذهب إليه الزميل داوود الشريان، بصحيفة «الحياة»، والزميل عبد الرحمن الراشد في مقاله أمس بـ«الشرق الأوسط»، حيث إن جدلية المصافحة، بحد ذاتها، باتت مزايدة اختلقناها لنطوق أنفسنا بها، ولنزايد بها بعضنا على بعض، وبدلا من مقاطعة إسرائيل الفعلية، والعملية، وإحراجها دولياً، بتنا نقاطع أنفسنا من خلال التردد في حضور المحافل الدولية، والمؤتمرات خشية مصافحة عابرة مع الإسرائيليين، أو لقطة تلتقطها الكاميرات على غفلة لمسؤول عربي تصادف وجوده بجانب مسؤول إسرائيلي في قاعة أو منصة.

ولأننا في أزمة ثقة حقيقية خلقناها لأنفسنا فقد باتت المصافحة بحد ذاتها «بعبعاً» يطاردنا، وملعب مزايدة، من العدو والصديق، والطريف هنا أنه ما إن بدأت وسائل الإعلام تنشر قصة المصافحة بين الأمير تركي وايلون حتى تحركت ماكينة غسل الأخبار، الإيرانية، ومن والاها في منطقتنا، وآخرون؛ فأكثر ما فاجأني هو رسالة إلكترونية وصلت لصحيفتنا من بريد المتحدث الرسمي، ومسؤول القسم الإعلامي، بالسفارة السورية في لندن، يروج فيها لقصة صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن المصافحة التي وقعت في ميونيخ، وكأن المتحدث السوري قد تحول إلى مراسل لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في لندن!

والأمر لا يقف هنا وحسب، من حيث المزايدة، فها هو سليم الحص يسجل اعتراضه على المصافحة، وفي نفس الوقت، يبدي إعجابه و«إكباره» للموقف التركي تجاه إسرائيل، والسؤال هو هل اطلع الحص، مثلا، على الاتفاقيات العسكرية بين تركيا وإسرائيل؟ بل وما رأي الحص بمطالبة السوريين لتركيا بأن تكون الوسيط مع إسرائيل؟

مزايدة عربية، إن دلت فإنما تدل على اهتزاز الثقة بالنفس، فهل المطلوب من العرب التقوقع، ومقاطعة كل مؤتمر، أو محفل دولي، نظراً لوجود الإسرائيليين؟ فإذا كان الحال كذلك فلماذا لا يقاطع العرب جلسات الأمم المتحدة ويعلنون انسحابهم من المنظمة الأممية؟ هذا من ناحية، أما بالنسبة للحملات الإعلامية الإيرانية، أو من خلال حلفائهم في المنطقة، فيكفي أن نسألهم أين كانوا من اسفنديار مشائي، صهر الرئيس الإيراني نجاد، والذي قال في يوليو 2008 إن «إيران اليوم هي صديقة الشعب الأميركي والشعب الإسرائيلي»؟ وأين هم يوم دافع نجاد عن صهره باستماتة؛ فالرجل لم يجد نفسه في موقف يدفعه للمصافحة، بل ذهب بعيداً بتصريحه؟

ولذا فليس المهم أن تصافح أو لا تصافح، بل الأهم هو المواقف، والفارق كبير، وكما قال تركي الفيصل لصحيفة «الوطن»: «لو ندمت على من صافحتهم بحياتي العملية وحملت معي هذا الندم لمتُّ كمداً». وقد ينطبق كلام الأمير هذا حتى على بعض من صافحهم من العرب، للأسف!

[email protected]