أزمة حماس مع السنة!

TT

حتى الجبهة الشعبية، الفصيل الفلسطيني اليساري، لم يهبط في شعبيته إلى ما هبطت إليه حماس في الرأي العام العربي، أعني في زمن الحملات العدائية ضد الشيوعية، مع أن حماس أكثر حضورا وقتالا وأعلى صوتا. نتائج جديدة عززت ما أظهرته الاستطلاعات السابقة بأن حماس في انحدار. «بيوغلوبال» مؤسسة مسح استبياني مستقلة سألت عينات في عدد من الدول العربية والإسلامية ووصلت إلى نفس النتيجة. سنة لبنان، في شبه إجماع قالوا رأيهم ضدها، واحد في المائة فقط يؤيدها. تدنت سمعتها إلى درجة لا نعرف أبدا منظمة مثلها ارتفعت عاليا جدا وهوت بشكل كبير.

في لبنان حصلت حماس من السنة على واحد في المائة فقط مقابل نحو ثلاثين في المائة بين بقية اللبنانيين. وهذا يعني أن سنة لبنان يعتبرون حماس تنظيما محسوبا على الإيرانيين، ومتصلا بحزب الله الذي صار خصما لهم بعد احتلاله بيروت الغربية. كما أن سمعة حماس تدنت في كل مكان تقريبا وسقطت في تركيا إلى خمسة في المائة فقط، وحصلت على أقل مما حصل عليه حزب الله بين فلسطينيي الـ48 نحو 21 في المائة فقط، وحماس تستطيع أن تقول إن الموقف العدائي من سنة لبنان ضدها جاء نتيجة صراع طائفي ليست طرفا فيه بشكل مباشر، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن الصورة الكاملة ليست في صالح حماس. فحماس حركة سنية أصولية، وليست مثل فتح حركة تحريرية، ومن الطبيعي أن تقلق إذا كانت مكروهة من قبل أبناء طائفتها، فحزب الله يتمتع بتأييد ساحق بين معظم الشيعة مما يعطيه شرعية كافية. وإذا كانت حماس صارت مكروهة بين سنة لبنان، فإنها لم تعد محبوبة أيضا بين أهلها في غزة. وهذا هو الاستطلاع الثالث الذي يؤكد ما سبقه. أغلبية من سكان القطاع ضد سلطة حماس. وقطاع غزة لا يوجد فيه إلا سنة وأقلية بسيطة من المسيحيين، فلماذا انهارت شعبيتها من أغلبية مؤيدة انتخبتها إلى أغلبية رافضة لها؟ شعبية حماس تدنت في مصر، التي كانت ساحتها الشعبية الثانية.

لا أظن أن علاقة حماس بإيران، وارتباطها بحزب الله، وتورطها في نزاع مع المصريين، رغم أهمية هذه العوامل، هي فقط أسباب هبوط شعبيتها. فشلها في إدارة غزة وراء انقلاب الرأي العام الغزاوي ضدها إلى درجة أظهرت نتائج الاستبيان شعبية أعلى للسلطة الفلسطينية، أعلى من حماس في عقر دارها. معارك حماس لم تحقق لها تأييدا، حيث لا يرى الغزاوي أي قيمة في احتجاز جندي إسرائيلي مثل شاليط في وقت هو يدفع منذ سنوات ثمن خطفه بالحصار الموجع، فما هي منافع خطف شاليط؟ عمليا وسياسيا لا شيء، ما عدا ذلك كارثة للإنسان في غزة. كما أن انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية صدم سكان هذا القطاع الذي اختار حماس حكومة، خاصة أن الانقلاب نفذته لصالح طرف إقليمي بعيد توقيع اتفاق مكة، وذلك لتخريب الاتفاق الذي وقعته حماس أمام الكعبة المشرفة!

كل هذا صار تاريخا، لكن بقي لحماس السمعة السيئة في معظم الدول العربية. وليس من وسيلة لغسل ما لحق بسمعتها سوى إنهاء الوضع الانقسامي، والعودة للتعاون مع السلطة، والتراجع عن كل ما فعلته وتوقيع اتفاق القاهرة. بعضنا يعرف جيدا أن حماس فجأة تحركت تناشد القاهرة فتح أبوابها من جديد، من أجل تفعيل الوساطة والمصالحة، بعد أن كانت ترفضها مرارا تحت أعذار واهية. السبب أن سورية أبلغت حماس أن تصالح، لأن دمشق نفسها صارت أخيرا ضمن عواصم التفاوض، وهو أمر إيجابي بكل تأكيد، وبالتالي ليس أمام حماس سوى أن تتدارك ما خسرته.

[email protected]