إنني شرس.. ولكن على خفيف

TT

لست أنا بذلك الإنسان المثالي، وهذه حقيقة ليس فيها أي تواضع ولا تحتاج لأي برهان، (ففيني ما يكفيني)، والكثير من العيوب غير المؤذية تغطيني من (العالي حتى السافل) والحمد لله، ولا أخجل من ذلك ولا أحاول حتى أن أتخلص منها، بل بالعكس بدأت أتعايش معها وأحافظ عليها و(أطبطب) عليها كذلك.

لا أقول كما يقول أصحاب المبادئ العليا: إنني أكره (الوساطة)، لا أقول ذلك خصوصا إذا كانت تلك الوساطة قد تحقق مأربا من مآربي التي لا يعاقب عليها القانون.

وكنت وما زلت أتمنى لو أن الله بوأني منصبا له (شنة ورنة) لكي يرضى غروري أولا، وثانيا لكي أكحل عيني وأشنف أذني، عندما أسمع وأشاهد أصحاب الحاجات وهم يتمسحون بأعتابي طالبين (الوساطة)، ولكن مثلما يقولون: (ربي عارف الشوكة وداقمها).

لهذا ظللت وما زلت ليس لي (لا في العير ولا العليق) - وفي رواية أخرى (ولا الطحين) - وهذه هي مأساتي (التراجيدية) في هذه الحياة الظالمة، لهذا ظللت وما زلت أحسد أصحاب المناصب والمنابر العالية، وأدعو عليهم صباحا ومساء، أن تكون أجهزة الهضم عندهم لا تعمل بكفاءة جيدة، وأن تكون زوجاتهم من ذوات الأنياب والمخالب، وكذلك من قاطفات الأرواح في الليالي المقمرة. هل لاحظتم أنني حتى في دعواتي لست بذلك الإنسان الشرس جدا؟!، وإنما شرس على خفيف.

أعود لموضوع الوساطة أو الواسطة، اتصلت بي قبل عدة أيام زوجة رجل أعرف أنه تيس، هذا الرجل التيس (المعتر) رجل طيب لكن حظه عاثر وهو (على نياته)، وتورط الأهبل في مشكلة هو في غنى عنها، ولكنه في النهاية تورط، وهذه المشكلة ليست أخلاقية، فالرجل على قد حاله، وهو مثلما يقولون: يمشي بجانب الحيط ويقول يا الله السلامة، ولكنه من هبله كفل رجلا لا يستحق الكفالة، واختفى ذلك الرجل، فما كان من المسؤولين إلا أن يستدعوا ذلك الكفيل ويطالبوه بالدفع، وبما أنه لا يقدر على ذلك فقد احتجزوه في السجن. وأزعجتني زوجته الله يمسيها بالخير من كثرة صياحها بأذني بالتليفون إلى درجة أنني كنت أتكلم معها وأبعد السماعة عني ما لا يقل عن متر، ومع ذلك كان صوتها يصل إلى الجيران، وكلما قلت لها: تعوذي من الشيطان، اهدئي، وطي صوتك، كانت تزيد من ارتفاع صياحها وكأنني أدعوها لأن تزيد به أكثر.

كانت المسكينة تعتقد أنني (أبو زيد الفلاني)، وأنني أستطيع أن (أجيب الذيب من ذيله)، وأنني بحكم معرفتي بزوجها وبحكم أنني أكتب كلمات في الجرائد (لا تجيب ولا تودي) أنني قادر على أن (أتوسط) وأخرج زوجها من السجن، ولكي أرتاح من مكالماتها ومن صوتها المزعج على الأقل وعدتها خيرا.

وفعلا ولأول مرة اتصلت بالضابط المسؤول في السجن أرجوه لكي يفرج عنه، وقلت له إنني على استعداد لكل ما تطلبونه حتى لو أدى الأمر أن أكون بديلا عنه.

فقال لي الضابط بكل هدوء: يؤسفني أنني لا أستطيع تلبية رغبتك، لأنه سبق لي قبل ساعة أن اتخذت قرارا وأطلقت سراحه، لأن مكفوله أتى ودفع ما عليه.

وما إن أغلقت السماعة، حتى اتصلت بالزوجة أبشرها أن وساطتي قد أدت أكلها، وأن الضابط ما إن سمع كلامي حتى أطلق سراح زوجك. وصدمتني عندما قالت: لقد قال لي زوجي أن سراحه أطلق ليس بسبب مكالمتك، ولكن لأن المكفول هو الذي دفع ما عليه، قلت لها شكرا، وأغلقت السماعة دون أن تقول لي: عفوا.

[email protected]