«الخروج من مصر»

TT

«الخروج من مصر» مذكرات وضعها أندريه أكيمان، أستاذ الفنون الكتابية في جامعة نيويورك، عن طفولته وصباه في الإسكندرية. ما بين الخمسينات وعام 1964. حاز الكتاب جوائز أدبية كثيرة، جميعها مستحَقة. قدرة هائلة على استعادة التفاصيل، وصراحة واضحة، وأسلوب درامي. يروي أكيمان، حكاية عائلة يهودية ثرية، إيطالية - تركية، تعيش في محيط من المهاجرين اليونانيين والإيطاليين ويتكلمون جميعا الفرنسية، وينظرون، جميعا أيضا، باحتقار إلى «العرب»، أي المصريين.

وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر 1956، جلس أفراد العائلة ينتظرون وصول البريطانيين المنتصرين من أجل ملاقاتهم. لكنهم لم يصلوا. وبدل ذلك بدأت عملية طويلة من التأميم وإبعاد ذوي الأصول الأجنبية. ولم تسافر عائلة الكاتب سريعا، بل حاول والده، رغم التهديدات، الحفاظ على مصنع النسيج الذي يملكه، وعلى عشيقة يذهب إليها عادة أواخر الليل، رغم آلام زوجته الصماء، الملقبة في منطقة كليوباترة بـ«الطرشا».

عندما سافرت العائلة أخيرا، كانت قد هربت على مدى السنين بعض الأموال. وليلة السفر يذهب أكيمان، ابن الرابعة عشرة، في جولة إلى الأماكن التي عرفها في المدينة التي وُلد فيها. الشاطئ. محطات الترام. المقهى. بائع الحلوى. الإبراهيمية. زيزينيا. كامب سيزار. بائع ربطات العنق... إلخ.

لو كنت عضوا في اللجان التي منحت الجوائز للمؤلف، لما ترددت لحظة في منح صوتي: الأسلوب. التشويق. التفاصيل. الدراما. السرد. توزيع الفصول. اعتماد العامية المصرية في تلوين النص. وكل ذلك. لكنني كنت ربطت الاقتراع بشرط صغير بسيط: أن يروي لنا الأستاذ أكيمان، بفقرات قليلة، ما حدث تلك المرحلة من طفولته على الجانب الآخر من المتوسط. في حيفا ويافا وعكا. كيف هجر «العرب» في قوارب، من دون مال أو متاع. كيف عوملوا وكيف طُردوا وكيف هُددوا وكيف أُخرجوا من بيوتهم وأسرتهم. كم يبعد شاطئ الإسكندرية عن عكا؟ ألم يرَ أضواءها وهو يتأمل ملاعبه وأمكنته في المساء الأخير؟ ألم يكن هناك بائعو حلوى للأطفال ومقاه وذكريات وجذور وعائلات وأطفال؟ ألم تكن هناك أمهات وكان آباء وكانت حياة؟