كانت دموعه.. من أجل مصر!

TT

عندما قرر القضاء الإداري في مصر إلغاء عرض الاستحواذ المقدم من شركة «فرانس تيليكوم» لشراء «موبينيل» وجدنا نجيب ساويرس رئيس مجلس إدارة الشركة يبكي فرحا وسعادة وقال إنه لن يخرج من مصر أبدا وسيظل موجودا للاستثمار في بلده ولن يضيع جهده وعرقه هو وكل العاملين معه ويصير ملكا لأجنبي..

ولمن لا يعرف نجيب ساويرس فهو إنسان مصري من جذوره وأعماقه يجري في عروقه حب وعشق بلا حدود لتراب بلده، وقد تعرفت إليه عندما نظّم ندوة بمدينة ميلانو بإيطاليا لكي يقدم ما يحدث بمصر في مجالات الاستثمار المختلفة إلى رجال الأعمال في إيطاليا، ويعرّفهم كذلك إلى رجال الأعمال المصريين ومقومات الاستثمار في مصر.

وقد فطن ساويرس بذكائه إلى أن يبدأ هذه الندوة بالحديث عن الفراعنة لكي يغزو قلوب الشعب الإيطالي، وكان هذا هو سبب اتصاله بي وطلبه مني إلقاء محاضرة عن سحر الفراعنة في بداية الندوة التي حضرها بعض الوزراء من مصر وعلى رأسهم وزير الصناعة رشيد محمد رشيد وزهير جرانة وزير السياحة..

وبالطبع كانت المحاضرة عن الاكتشافات الأثرية والسراديب السرية و«توت عنخ آمون» الذي يعرفه الصغير والكبير في كل مكان بالعالم، ولم يكن يُسمع في القاعة المهيبة سوى أصوات الفراعنة وإيمانهم العميق بقيمة العمل والإبداع.. وكانت هذه هي بداية الصداقة بيننا.

واستمرت صداقتي مع ساويرس وعرفت بعد ذلك أخاه سميح عن قرب ووجدت أنهما يعشقان العمل والاستثمار ويتحدثان في مجالات قد تبدو جافة مع استعمال لغة الأرقام والحسابات، ولكن عندما تسمعها من نجيب فكأنه شاعر يلقي قصيدة ناعمة في حب فتاة جميلة..

وهذه العائلة تعبّر عن حبها لبلدها بالأفعال لا بمجرد الكلمات، بل إن «مؤسسة ساويرس للثقافة والأعمال الخيرية» أصبحت إحدى المؤسسات المهمة في دعم الأدباء والمثقفين، وذلك عن طريق مجلس أمناء ومحكمين يشرفون على وضع القواعد واختيار أصحاب الأعمال المتميزة لدعمهم ومنحهم الجوائز. بالإضافة إلى دعمهم لأعمال الخير في تنمية المجتمع، ولا فرق هنا بين مسلم ومسيحي، وإنما العمل من أجل بلدهم وأهله.

إن الدول المتقدمة عادة تعتمد على إسهامات وتبرعات الطبقة الثرية وبخاصة رجال الأعمال الذين لهم دور مهم في دعم الثقافة والفنون، بل وفي مجالات التعليم في بلادهم وهم أقدر في بعض الأحيان من الحكومات في النهوض بمثل هذه النواحي التي لا تتوقف فوائدها فقط في النهوض بالبلد وإنما بتقوية أواصر التعاون بين فئات المجتمع الواحد.

وكان آخر ما سمعته.. تطوع نجيب ساويرس بطبع كتالوج معرض جديد عن الفنون القبطية سوف يُعرض داخل قصر الأمير طاز، وهو أول معرض من نوعه يُعرَض داخل مصر، وبعدها يطير إلى عدد من الدول الأوروبية.

لقد كانت دموع ساويرس تعبيرا صادقا من الرجل عن مدى الارتباط بالأرض والوطن والناس.. ولم يكن لحسابات الأرقام هنا أي دخل، وإنما هو أمل البقاء والاستثمار في بلده وبين أهله وأصدقائه ومحبيه..