فتاوى الخوف

TT

تثير الحزن تماما بقدر ما تثير الضحك والسخرية..

إنه حال بعض الفتاوى والتأويلات والآراء القطعية التي تطالعنا أحيانا من هنا ومن هناك. هؤلاء إما يجاهرون بآرائهم عبر المنابر وإما يصدرون التحاريم والممنوعات عبر مواقعهم الإلكترونية الخاصة بسائلين كثر حائرين في طريقة أكلهم ولبسهم وحياتهم وأخيرا في آليات تواصلهم ومعرفتهم التي أوجدها عالمنا الحديث..

الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر دعا إلى تحريم الدخول على موقع «facebook» الإلكتروني الاجتماعي ونادى بتأثيم فاعلي ذلك. طبعا، سرعان ما تبرأ الأزهر من الفتوى، خصوصا أن الشيخ المعنيّ بها هو رئيس سابق للجنة الفتاوى في الأزهر وليس حاليا وبالتالي لا تمثل فتواه رأي الأزهر الرسمي. لكن أليس حال الارتباك الأخير يشابه معظم الآراء والفتاوى التي تناولت قضايا من هذا النوع وسرعان ما تراجع مطلقوها عنها! أليست بمعظمها اجتهادات شخصية وآراء تعبّر عن وجهة نظر حاملها وحدود معرفته بآليات العولمة وتقنياتها، وغالبا ما سببت تلك الآراء الحرج للهيئة المعنية بمطلق الفتوى!

تعيدنا فتوى تحريم «facebook» إلى سلسلة طويلة من ارتباكات سابقة محورها وسائل التواصل الحديث، خصوصا تلك التي أوجدتها الشبكة العنكبوتية والتي استولدت سلسلة من الفتاوى غالبا ما بدت هجينا ولا تنتمي إلى منظومة القيم الحديثة التي ينتمي إليها عصرنا، بخيره وشره. لا شك أن تطور المعرفة وآليات التواصل يسبق بمسافات وسائل فهمها وتحديد أطرها، خصوصا أن تلك الفورة المعرفية وبقدر ما تحمل آفاق اطّلاع جديدة وثورية تحمل أيضا بذور خطر وأذى، تماما كما هي كل طرائق العيش والتفكير والتطور، فهنا تبدو الإنترنت وسيلة تحاوُر ومعرفة تماما كما هي وسيلة للاستغلال، وهنا لا ننسى أن العالم لا يزال في المراحل الأولية لهذه الثورة المعرفية.

للإنترنت سمات تواصل فريدة وهي تطرح على الباحثين والمفكرين تحديات جدية، وهذه التحديات مطروحة أيضا على المؤسسات الدينية التقليدية.

مواقع التواصل الإلكتروني والمدونات أسهمت في كسر حواجز وكشف مبدعين، بل هي وثقت تاريخا سياسيا واجتماعيا لم يسبق أن دون على نحو واسع على غرار ما يحدث اليوم. أليس هذا ما حدث مع رواد موقع «تويتر» من المتظاهرين الإيرانيين مؤخرا وسابقا مع مدونين عراقيين ومصريين ويحدث كل يوم مع مئات الموثقين ليومياتهم الغث منها والسمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي!

إنه الخوف الذي يدفع بشرائح تقليدية واسعة إلى محاولة احتواء هذا التطور والحدّ منه، بل والأخطر، قمعه..

جل تلك الآراء والفتاوى هي بمثابة رد فعل دفاعي لثلة من الخائفين على ما يرونه هجوما على مسلَّمات متوارثة. يصعب أن تستقيم فتاوى من نوع تحريم «facebook» مع عصرنا الحديث. لقد تبدلت مهمة الواعظين وعليهم قبل أن يطلقوا فتاواهم وإرشاداتهم أن يعمدوا إلى فهم تلك المهارات الحديثة والتوقف عن التعامل معها بصفتها شرا مستطيرا.

diana@ asharqalawsat.com