بعد تصعيد نجاد.. من سيبدأ الحرب إيران أم إسرائيل؟!

TT

بعد أن ألقى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بـ«قفازاته» في وجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعالم كله، وبدأت إيران بإيعاز منه إلى رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي بإنتاج الوقود النووي المخصب بنسبة 20 في المائة بدت احتمالات التأزيم واللجوء إلى العمل العسكري تطغى على احتمالات معالجة هذه الأزمة بالوسائل السلمية وعلى أساس الوساطة التركية الهادفة إلى إنجاز الاقتراح الذي كان تقدم به منوشهر متقي قبل خمسة أيام مع الدول الغربية.

بعد هذا الإجراء الاستفزازي الذي لجأت إليه إيران وباشرت بموجبه، ابتداء بصباح أول من أمس (الثلاثاء)، تخصيب اليورانيوم بدرجة عشرين في المائة غدت مسألة فرض عقوبات جديدة مغلظة ومشددة من مجلس الأمن الدولي أمرا لا مفر منه ومسألة محتمة، اللهم إلا إذا تراجع نجاد عن هذه الخطوة التصعيدية والاستفزازية وبدأ يبحث عن مخرج من ورطته على أساس الوساطة التركية ويبدو أن هذا غير ممكن وغير متوقع.

وحسب تقديرات كثيرة فإن تراجع نجاد المفاجئ وعودته إلى التشدد واتخاذ هذه الخطوة الاستفزازية بهذه السرعة، بعد خمسة أيام فقط من بروز دلائل إيجابية على أنه بالإمكان التخلص من هذا الاحتقان السياسي الذي قد يتسبب في حرب جديدة في هذه المنطقة التي اُبتليت بسلسلة من الحروب المدمرة المتلاحقة في العقود الأخيرة، سببه أن المعارضة الإصلاحية بدأت تحقق مكاسب في الشارع في ضوء الانطباع المستجد بأن الرئيس الإيراني لم يصمد أمام الضغوطات الخارجية وأنه بدأ يتراجع وأصبح في طريقه للتخلي عن مسألة تتعلق بالعنفوان القومي والإرادة الوطنية. ثم هناك سبب آخر وهو أن الرئيس الإيراني لمس خللا في الموقف بالنسبة لمسألة العقوبات المقترحة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة وبين الصين وروسيا من جهة أخرى فاندفع على هذا النحو السريع ليضرب ضربته في اللحظة المناسبة وليضع هؤلاء جميعا ومعهم العالم كله أمام الأمر الواقع ولتكون هذه الخطوة خطوة التخصيب بدرجة عشرين في المائة مقدمة للخطوة اللاحقة التي هي خطوة إعلان إيران عن نفسها دولة نووية.

وبهذا وبعد أن تراجعت محاولات التهدئة بهذه السرعة بعد لجوء محمود أحمدي نجاد إلى ما لجأ إليه فإن سؤال: متى ستتكلم المدافع؟ عاد ليتردد مجددا أكثر مما تردد قبل أيام قليلة، حيث جرى تراشق كلامي ساخن ومرتفع النبرة بين سورية وإسرائيل وعلى مستويات عليا أشاع أجواءً بأن الحرب الجديدة المنتظرة قد تندلع في أي لحظة وأن المنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة وجذرية في خرائطها السياسية وخرائطها الجغرافية.

كانت التقديرات أن محمود أحمدي نجاد وبنيامين نتنياهو رغم خلافاتهما واختلافاتهما يلتقيان دون تخطيط أو اتفاق على أن حربا جديدة هي في مصلحة الاثنين وأن الأول أي الرئيس الإيراني بات يشعر أنه غدا في ضائقة سياسية، في ضوء تعاظم شأن المعارضة الإصلاحية لا مخرج له منها إلا بالهروب إلى الأمام والذهاب إلى صدام عسكري ساخن مع «الاستكبار العالمي» يجرد هذه المعارضة من كل أسلحتها ويلزمها إلزاما بالانضواء تحت جناح الولي الفقيه وما يعتبر الشرعية الإيرانية.

أما بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي فإن اجتياح عملية السلام التي بدأت تتقدم على المسار الفلسطيني بخطوات واعدة معقولة لا يمكن إيقافه إلا بالإسراع لخلط الأوراق في هذه المنطقة وفي الشرق الأوسط مرة أخرى وهذا لا يمكن أن يكون إلا باتخاذ الخطوة التصعيدية التي أقدم عليها محمود أحمدي نجاد ذريعة للجوء إلى العمل العسكري حتى وإن اتخذ مجلس الأمن الدولي قرارا بموافقة الصين وروسيا بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية مغلظة ومشددة ضد إيران.

إنه لا بد من أخذ هذا الاستنتاج بعين الاعتبار وهنا فإن ما يجب تذكره هو أن بنيامين نتنياهو هذا نفسه كان قد استغل مسألة تلاقي المصالح، دون اتفاق أو تفاهم، بينه وبين إيران في عام 1996 عندما أصبح رئيسا للوزراء لتوجيه ضربة لعملية السلام التي كانت في حالة انتعاش في ذلك الحين وللقضاء على اتفاقيات أوسلو وإحباط خطوة إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة عام 1997 وفقا لهذه الاتفاقيات التي استكمل أرئيل شارون مهمة إدخالها في نفق مظلم لا نهاية له. قبل فترة عندما اشتد التراشق الكلامي بين سورية وإسرائيل كانت هناك قناعة شارك فيها الإسرائيليون بأن محمود أحمدي نجاد هو الذي سيبدأ الحرب إن فرض الغرب، ومعه الصين وروسيا، من خلال مجلس الأمن الدولي عقوبات جديدة مشددة ومغلظة سياسية واقتصادية وعسكرية على بلاده وأنه سيدفع حزب الله اللبناني لفتح جبهة جنوب لبنان مرة أخرى وهذا هو الذي دفع دمشق إلى المسارعة لتحذير الحكومة الإسرائيلية من مغبة ما قد تقوم به إن هي تجاوزت برد فعلها عملا عسكريا بغض النظر عن طبيعة مثل هذا العمل وإن هو اقتصر على خطوط التـماس أم ذهب إلى عمق الأراضي السورية.

والآن وقد تأزمت الأمور على هذا النحو فإن ما هو متوقع هو أن يلجأ الرئيس الإيراني لمواجهة أي عقوبات قد يفرضها مجلس الأمن الدولي على بلاده بإجماع دولي تشارك فيه الصين وروسيا بالهروب إلى الأمام ودفع حزب الله الذي يشكل رأس جسر لإيران للتماس مع إسرائيل وفتح جبهة عسكرية معها إلى القيام بعمل عسكري بالصواريخ وبالمدفعية الثقيلة يستهدف الشمال الإسرائيلي وربما يصل إلى الأهداف الإسرائيلية الاستراتيجية في العمق ومن بينها مفاعل ديمونة في منطقة النقب وهذا إن هو حصل فعلا فإن المنطقة ستشهد حربا مدمرة جديدة ستصل إلى إيران حتما وهي ستشمل سورية بالتأكيد وستلحق بلبنان دمارا سيكون أكثر بعشرة أضعاف مما تعرضت له خلال حرب يوليو (تموز) عام 2006.

إن هذا «السيناريو» غير مستبعد بل هو وارد ومتوقع إن أتبع محمود أحمدي نجاد هذه الخطوة التي اتخذها قبل يومين بخطوات تصعيدية جديدة وإن لم يستطع الأميركيون التحكم في المواقف الإسرائيلية إزاء كل هذه التطورات مما يعني أن المنطقة كلها باتت تقف على حافة هاوية سحيقة وأن الشرق بانتظار قادم أعظم إن لم تستجد معجزة تبدد كل هذه المخاوف والتوقعات هذا مع العلم أن هذا الزمن ليس زمن معجزات ولا مستحيلات. ويبقى في النهاية أنه لا بد من التوقف عند المعلومات التي تحدثت عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد بادر في ذروة التصعيد الكلامي بين سورية وإسرائيل إلى إرسال رسائل إلى دمشق عبر مسؤولين أوروبيين وصفوا بأنهم كبار تضمنت استعدادا لاستئناف المفاوضات المتوقفة على المسار السوري وهذا إن كان صحيحا، والواضح أنه مؤكد وصحيح، فإنه يعني أن الإسرائيليين إن وصلت الأمور إلى حد أن هذه الحرب المتوقعة أصبحت خيارا غير ممكن تجنبه، يريدون أن يتركز رد فعلهم، أي حربهم وعملهم العسكري، على إيران وحزب الله وأن يحيدوا سورية ولا يجبروها إجبارا للدفاع عن نفسها والمشاركة في أي أعمال عسكرية لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة. ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أن الأميركيين، وفقا لمعلومات مؤكدة، قد طلبوا من إسرائيل خلال حرب يوليو (تموز) عام 2006 استغلال الظرف وتوجيه ضربة «تأديبية» لسورية، لكن الإسرائيليين الذين لهم حسابات بالنسبة لهذا الأمر تختلف كثيرا عن الحسابات الأميركية رفضوا الاستجابة لهذا الطلب الأميركي وامتنعوا عن القيام بأي عمل كان سيدفع دمشق إلى دخول تلك الحرب والمشاركة في العمليات العسكرية ولو بالطيران والقصف البعيد بالصواريخ والمدافع الثقيلة.